مصر واحات الشهداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الله في محكم كتابه (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [يوسف: الآية 99]، ولكي تبقى مصر آمنة مطمئنة هناك من يقدم روحه فداء أرض مصر، بل هناك من يوهب حياته بأكملها لحفظ أمنها وتثبيت دعائم استقرارها، ولن تتوقف «أم الدنيا» عن تقديم أرواح أبنائها شهداء في وجه الإرهاب والإرهابيين.

قدمت مصر كوكبة من الشهداء بحادث الواحات الإرهابي في محافظة الجيزة مساء الجمعة الماضي، قدمتهم لحماية أبنائها وشعبها من مخطط مشين هدفه زعزعة الأمن والاستقرار وتنفيذ عمليات إرهابية إرعابية بحق الآمنين من الشعب المصري.

مصر وعلى مر التاريخ قدمت الكثير من أرواح أبنائها شهداءً في خدمة أوطانهم وأوطان العروبة، والتاريخ سطر أسماء شهداء أرض الكنانة وزفهم للرفيق الأعلى طاهرين ومطهرين الأرض من شرور الإرهابيين ممن أرادوا خراب الأمة العربية فأرادوا لـ «مصر» أن تنحني لإرهابهم وتستسلم لجرائمهم، ولكن لم نعهد ولن نعهد من القوات المصرية الاستسلام، بل وجدناها وسنجدها دوماً رافعة لرايات النصر والانتصار على الإرهاب وتنظيماته وشخوصه ومخططاته.

إن كانت أهرامات الجيزة ثلاثة فبأسماء شهداء الواحات كما تم تسميتهم في وسائل الإعلام ومن سبقهم ومن سيلحقهم من شهداء القوات المصرية أصبحوا أربعة أهرامات، فمهما بلغت عظمة الأهرامات وما دونته بطون الكتب عن عظمة هذا الصرح التاريخي إلا أن الشهداء وما يقدمونه من تضحيات في سبيل أمن غيرهم ووطنهم أعظم بكثير، فهؤلاء لم يسطروا التاريخ فقط إنما حموا هذا التاريخ من التدنيس الضلالي الذي يحمله فكر الجماعات الإرهابية وأعضاؤها ممن صورت في عقولهم أن الوطن ورجال الأمن هم العدو.

مصر ليست وحيدة في مواجهة الإرهاب والإرهابيين ممن أنتشر فكرهم ولوث الكثير من العقول، والتي تشبعت أفكاراً سوداوية هدفها تقويض الأمن وزعزعة الاستقرار وتعطيل مسيرة التنمية والتقدم والازدهار، بل هناك جهود عالمية تعمل على نبذ التطرف والإرهاب ومحاربة جميع أشكاله ومقوماته وتنظيماته ودول ومصادر دعمه واحتوائه وناشري أفكاره، ولكن من الواضح أن المواجهة لا تزال مهمة صعبة تحتاج للكثير من الجهود المشتركة بين الدول وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية من جهة، ومن وسائل الإعلام والمنظمات والمؤسسات الدينية والفكرية وأيضاً الجامعات والمدارس من جهة أخرى لتتكاتف معاً في مواجهة الفكر الإرهابي ومحاصرته من جميع الاتجاهات لمنع تسرب أفكاره وقطع دابر من تسول له نفسه أن يعبث بأمن الآمنين ويعرض حياة الأبرياء للخطر بمبرر أفكار مغلوطة عن الجهاد والاستشهاد وبلوغ الجنان والحور العين.

مازال للإرهاب أيادٍ خفية تدعمه داخل أوطاننا، فصحيح أننا بدأنا في تجفيف منابع تمويله ومقاطعة دولة قطر التي رعت الإرهاب والإرهابيين وترعرع على أرضها الفكر الظلامي ولا نستبعد أن يكون لها يد في عملية الواحات والتي استهدفت جنود مصر الأبطال فلقطر تاريخ حافل وغاشم من دعم العمليات الإرهابية وزعزعة الأمن والاستقرار في مصر، وأيضاً بدأت دولنا العربية والإسلامية بتجفيف منابر الفتن والقبض على مشايخ ودعاة الغلو والتطرف، وبدأت الكثير من الدول بتغيير المناهج الدراسية ونشر أفكار التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع، إلا أن هذا كله لم يلغ مفهوم الإرهاب وعملياته ولو أنه قلل منها، والسبب أن هذا الفكر تشرب من قداسة التاريخ ما يغذيه ويبرره.

الخطوة القادمة التي على دولنا أن تقوم بها للقضاء على الإرهاب بشكل كامل أن تنقي التاريخ الإسلامي مفرداته وتراكيبه وأحداثه من الغلو والتطرف الذي يؤدي للإرهاب، ومراجعة جميع ما كتب في التاريخ من قصص وحكايات وخرافات من شأنها توجيه العقول لكل ما هو سوداوي يحث على القتل والدماء واستباحة الأرواح وترويع الآمنين.

الإرهاب قبل أن يكون عملية انتحارية أو إجرامية أو تفجيرية هو عملية فكرية تم نسجها وتشبع فكرها داخل العقول، ولن نقضي عليه إلا إذا غيرنا هذا الفكر وما يغذيه من طفيليات أبت ألا أن تكون مصدراً للشر والقتل والدماء، وتستسقي من أمجاد الماضي وتاريخ الفتوحات الإسلامية، ومستقبل الشهداء وحور الجنان مغذياً روحياً وفكرياً تذهب العقول وتجعلهم كأطفال ينقادون لتنفيذ جرائم قادتهم ومنظريهم ممن سطرت كتبهم مظلوميات وبطولات وعدائية زائفة.

حزب الشياطين من «الإخوان المسلمين» ومن شابههم في الفكر من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش جميعهم تنظيمات رهنت مستقبلها بدماء الأبرياء، وبنت أمجادها على جثث الآمنين من شعوبنا العربية، وقد حان الوقت لقطع دابرهم فكرياً وقطع أيديهم على ما ارتكبته من جرائم راح ضحيتها شباب بعمر الزهور كان همهم حماية أوطانهم ودفع البلاء عن أفراد مجتمعهم، وآخرين خدعوا وكان همهم التخلص من عقدة الذنب سريعاً باللجوء إلى الشهادة المزعومة بانتحار بقتل غير أو تفجير.

وفي النهاية لا يمكننا القول إلا أن الإرهاب مصيره الانتهاء فالمهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، ومصر ورجالها الأبطال ودعوا شهداء الوطن يوم أمس ورفعوا أكفانهم فوق الرؤوس وسيحملون في المستقبل القريب رايات النصر على الإرهاب والإرهابيين، وسيذكر التاريخ هذه الأسماء وهذه التضحيات كهبة قدمتها «أم الدنيا» لأولادها وإخوانها العرب ممن تشاركوا معها همها وفرحها ووحدة مصيرها، وستبقى مصر أرض الكنانة آمنة مطمئنة كما وصفها رب العباد.

Email