انتخابات النمسا وأصغر زعيم في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

فوز حزب الشعب النمساوي بزعامة سباستيان كورتز في الانتخابات العامة التي جرت الأحد الماضي بالأغلبية قد يؤهله ليكون أصغر زعيم في أوروبا. لم يحصل الحزب على الأغلبية التي تؤهله ليشكل حكومة بمفرده، ويحتاج إلى تشكيل ائتلاف مع أي من الحزبين الآخرين، وهما حزب الحرية اليميني والحزب الديمقراطي الاشتراكي.

إن متابعة نتائج تلك الانتخابات وقراءة برامج تلك الأحزاب الثلاثة توصل إلى بعض الملاحظات المهمة التي قد تكون لها تبعات فى أوروبا وأماكن أخرى.

يبلغ كورتز عامه الواحد والثلاثين وهو ما يجعله أصغر زعيم أوروبي على الإطلاق، وأزاح بذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاماً ورئيس وزراء أيرلندا صاحب الثمانية والثلاثين عاماً. قد يكون ذلك مؤشراً على تصاعد دور الشباب في قيادة أوروبا في المرحلة المقبلة، وهو ما يعطي أملاً للشباب في المستقبل وإمكانية الوصول لأعلى المناصب.

يمكن الإشادة في هذا الخصوص بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة ووجود بعض الشباب صغار السن في العشرينات في مناصب وزارية. يجب إفساح مجال للشباب في العالم العربي ليكونوا جزءاً من القيادة لأنهم يشكلون النسبة الأكبر من السكان وهم المستقبل.

ويعرف كورتز بلقب «القادر على المشي فوق الماء» نتيجة نجاحاته السريعة في وقت صغير وسن صغير، فقد تولى منصب وزير الخارجية في السابعة والعشرين من العمر، وشغل منصب المستشار النمساوي في هذه السن الصغيرة.

إن نجاح كورتز يسلط الضوء على تصاعد دور اليمين والاتجاهات اليمينية في أوروبا. وقد صرح كورتز في حملته الانتخابية بتوجهاته ضد الهجرة من دول البلقان، وحذر من تهديد الإسلام السياسي للنمسا. وقد اتهمه حزب الحرية اليميني باستخدام أفكاره اليمينية ضد المهاجرين والإسلام لكسب أصوات الناخبين، وتعد تلك الأفكار جوهر برنامج حزب الحرية المعروف بحملاته ضد أسلمة أوروبا والمهاجرين.

ومن المتوقع عمل ائتلاف بين الحزبين: الشعب والحرية، وهو ما يصعد التوجهات اليمينية في النمسا ودول أوروبية أخرى في وسط وجنوب أوروبا مثل المجر وبولندا. إن النمسا كانت بوابة عبور المهاجرين من دول البلقان إلى ألمانيا، وقد استقر بعضهم في النمسا.

وقد ساهم زيادة عدد المهاجرين عام 2015 إلى تصاعد الاتجاهات اليمينية المعادية للمهاجرين، وهو ما دفع السلطات النمساوية إلى إغلاق حدودها أمام المهاجرين وعمل حصة صغيرة وإنهاء سياسة الباب المفتوح أمامهم.

إن التحالف بين حزب الشعب وحزب الحرية اليميني قد يعيد للذاكرة الائتلاف الذي تم بينهما عام 2000، وأثار مخاوف داخل أوروبا، وتعالت الأصوات آنذاك بفرض عقوبات على النمسا، وفرضت عقوبات دبلوماسية على النمسا، وألغيت اجتماعات السفراء داخل الاتحاد، ورفض الاتحاد دعم مرشحي النمسا في المناصب داخله، وأشار البرلمان الأوروبي أنه يمكن تعليق عضوية النمسا إذا انتهكت الحكومة في ذات الوقت المبادئ الأوروبية.

واستمرت حكومة الائتلاف حتى عام 2005 وواجهت صعوبات عدة ولاسيما الموقف الأوروبي منها. وانتهى الائتلاف بينهما وتشكل تحالف جديد بين حزب الشعب والديمقراطي الاشتراكي عام 2006. ومن المتوقع أن يعود التحالف بين الطرفين في الحكومة الجديدة.

ولكن لا يعني ذلك استبعاد سيناريوهات أخرى مثل استمرار التحالف بين حزب الشعب والحزب الديمقراطي الاشتراكي، أو تحالف جديد بين حزب الحرية والحزب الديمقراطي الاشتراكي، ولكن الأكثر احتمالاً هو السيناريو الأول نتيجة أهمية قضية الهجرة والمهاجرين والبطالة وخوف البعض من أسلمة المجتمع في الداخل النمساوي.

وقد يقوي من إمكانية تحقيق هذا السيناريو تصاعد الاتجاهات الشعبوية في وسط وجنوب أوروبا من جانب، ومن جانب آخر تصاعد اليمين في ألمانيا وفرنسا وهولندا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

على سبيل المثال خسر حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في الانتخابات الإقليمية في إقليم ساكسونيا السفلي، وهو الإقليم الذي يمثل مركز قوتها يوم الأحد الماضي بسبب قضايا الهجرة والمهاجرين والمخاوف من أسلمة المجتمع الألماني.

علاوة على ذلك قام رئيس حزب الحرية بعمل تغييرات على الحزب لتغيير الصورة النمطية أنه مؤيد للنازية ولديه توجهات نازية، والتعبير عن المخاوف من المتطرفين بما يعكس مشاعر ومخاوف قطاعات من الشعب النمساوي.

إن فوز كورتز يفتح الباب أمام تغيرات داخل أوروبا وخارجها بخصوص تصاعد دور الشباب في قيادة أوروبا في المرحلة المقبلة من جانب، وتصاعد التوجهات الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة من جانب آخر.

ولكن يتوقف ذلك على قدرة ائتلاف كورتز على التعامل مع المخاوف الأوروبية التي لم تكن مساعدة لائتلاف عام 2000، وعمل تغييرات في الملف الاقتصادي داخل النمسا، والدفع بإصلاحات داخل الاتحاد الأوروبي ولاسيما في ملف وقف الهجرة.

 

 

Email