رأي

قطر، اليونسكو، وخُفّا ساركوزي

ت + ت - الحجم الطبيعي

فشلت قطر في وضع يدها على ضمير الإنسانية: اليونسكو، وإن كانت اقتربت من كرسي القيادة خلال ثلاث جولات إنتخابية حظي فيها مرشح الدوحة بالمرتبة الأولى في عدد الأصوات المحصودة بمناجل الرشاوى والهدايا والإستضافات الفاخرة والوعود التي تم توزيعها يميناً وشمالاً على كل من يضع صوته في صندوق الكواري.

إعتقد النظام القطري أنه يستطيع أن يفعل بالمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم في العام 2017 ما سبق أن فعله بالإتحاد الدولي لكرة القدم في العام 2010، فالمال، يمكن أن يشتري كل شيء وكل أحد، والمهم،أن تعرف كيف تضع السعر المناسب للغرض المناسب في الوقت المناسب، وفق ما نُقل عن حمد بن جاسم، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، ولكن الأمر اختلف هذه المرّة، وذهبت الرشاوى والوعود سدى، وأنقذت قوى الخير اليونسكو من أن يتحول إلى منظمة عالمية للتربية التكفيرية والثقافة الإرهابية والعلوم التفجيرية.

والفضل، كل الفضل، يعود إلى الصحوة العربية والعالمية التي بدأت تؤتي أكلها منذ أوائل يونيو الماضي في مواجهة مشروع الدوحة التدميري، حيث استطاعت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أن تكشف ارتباطات سلطات قطر بثقافة الموت والحقد والكراهية والظلام، ودعمها المباشر وغير المباشر للتطرف والتشدد وللجماعات الإرهابية، وسعيها إلى اختراق المجتمعات والشعوب اعتماداً على المال الفاسد،والشبكات المشبوهة، واللوبيات الإنتهازية، وعصابات المرتزقة، إلى جانب إعلام التضليل، وفتاوى التفجير، وفكر الإقصاء والإلغاء، ومخططات التخريب العابرة للقارات.

لقد اكتشف العالم، خلال أشهر قليلة، أنه كان من الممكن أن تسيطر قطر بمالها الوافر على منظمات دولية وإقليمية، وأن تستمر في شراء الضمائر إلى ما لا نهاية، وأن تقوم بتنصيب حكّام وتشكيل حكومات في دول عدّة، وأن تستفيد من حالة الإنهيار الأخلاقي في ظل ديمقراطيات الغرب المترهلة، فتختطف جزءاً مهماً من أدوات إخضاع الشعوب، مثلما فعلت في مجال الرياضة عندما هيمنت على سوق البث الفضائي لبطولات كرة القدم، واشترت أصوات أعضاء «فيفا» لضمان احتضان مونديال 2022، وكما أفلحت في اختراق المنظمات الحقوقية، ومراكز الأبحاث والدراسات، وكبريات وسائل الإعلام، وغيرها، وكذلك عندما قادت حرباً مدمرة في المنطقة العربية في إطار ما سمي بالربيع العربي، وسعت إلى أن تضع صولجان الغلبة في أيمان المتطرفين والإرهابيين وأن تطيح بقيم المدنية والتحضر وبروح التسامح والمحبة في أكثر من مجتمع وداخل أكثر من بلد.

ثم انصبّ الطموح على اليونسكو، بما تمثله المنظمة من قيم حضارية وثقافية وتربوية وعلمية وأخلاقية وقيمية، ليقول تنظيم الحمدين إنه أصبح المؤتمن على عقل العالم ووجدانه، وعلى حضارات الأمم وثقافاتها، وعلى فنون الشعوب وآدابها وعلومها وتراثها، وعلى نشأة وتربية أطفالها، وعلى قيم التسامح والتكافل والتضامن في صفوف البشرية، ولكن سلمت الجرّة في هذه المرّة، وتبيّن أن هناك عقلاً إنسانياً لا يزال قادراً على التمييز،وهناك شرفاء لا يبيعون أصواتهم في مزادات الحمدين المعروفين، ولا حتى في مزاد حمد الكواري العائد من باريس،وليس معه حتى خُفّا ساركوزي.

Email