مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرت الذكرى السادسة عشرة للأحداث الإرهابية في الولايات المتحدة قبل عدة أسابيع، ولا يزال يردد بعض من الناس داخل وخارج الولايات المتحدة نظرية حول مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر.

وفحوى هذه النظرية أن العملية الإرهابية في 11 سبتمبر كانت مؤامرة من قبل الأجهزة الحكومية والاستخباراتية نفذت ثم ألقي باللوم على المسلمين بغية تبرير تنفيذ أجندات لدى إدارة جورج بوش الابن.

ومن هذه الأجندات، حسب زعم أصحاب نظرية المؤامرة، الاستيلاء على نفط الشرق الأوسط عبر الحرب على الإرهاب. تنفيذ خطط إسرائيلية لتوسيع نطاق الحرب وتركيع الدول العربية الفاعلة ومن ضمنها العراق، السعودية، وسوريا وتصفية القضية الفلسطينية.

وأخيراً، تقسيم الدول العربية بحجة مواجهة الإرهاب إلى دويلات يسهل السيطرة عليها. وهو ما شرعت، حسب هذه الرؤية التآمرية، بتطبيقه الولايات المتحدة بغزوها العراق في 2003!

ولعل أول من أشاع بهذه المؤامرة هو الصحفي والكاتب الفرنسي تيري ميسان في كتابه المعنون «11/9 الكذبة الكبرى». وكما يبدو من التقارير حول الكتاب فإن ميسان يدعي أن العملية كلها فبركة بالتعاون بين السي آي ايه، وكالة المخابرات المركزية، وعميلها ابن لادن لتنفيذ الهجمات، كما أنه ينكر أن هناك اعتداء على مبنى البنتاغون بالطائرة المخطوفة، بل بصاروخ تسبب بأضرار بالغة في الأرواح وفي المبنى.

وقد تبع الأحداث الإرهابية حركة في الولايات المتحدة تطلق على نفسها «حقيقة الحادي عشر من سبتمبر». وترى هذه الحركة أن كل ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم هو صناعة أميركية ولا دخل لها بالإرهاب العالمي.

ورغم أن الحركة هامشية إلى حد كبير إلا أنها استطاعت اجتذاب عناصر كثيرة إلى صفها. وقد حصلت الحركة على تأييد من أكثر من 2900 مهندس ومعماري لفتح التحقيق حول كيفية انهيار البرجين. كما أن الحركة استطاعت استقطاب بعض الأشخاص من خلفيات مختلفة من المحافظين، والليبراليين، والتحرريين. ورغم أن كثيراً من داخل الحكومة والإعلام والأوساط الأكاديمية انبروا لدحض هذه النظرية إلا أن زخمها لم يخف بعد.

الغريب في الأمر أن رواج مثل هذه الترهات في مجتمع متقدم والمفترض أن يكون مجتمعاً علمياً وعقلانياً متقدماً ويقيم مواقفه حسب الأدلة وليس حسب اعتقادات واهية كإنكار تحطم طائرة في مبنى البنتاغون الأميركي رغم أن هناك شهود عيان رأوا ما حدث. وفي نفس الوقت لا يأبه بالمؤامرة الحقيقية التي حصلت في الحادي عشر من سبتمبر ولكن قبل 44 سنة.

وهذه المؤامرة والتي تحظى بكثير من التوثيق والاعترافات من قبل من شارك فيها، تتعلق بالرئيس ريتشارد نيكسون ومعاونيه مثل مستشار الأمن القومي حينها، ووزير الخارجية لاحقاً، هنري كيسنجر، وقادة وكالة الاستخبارات المركزية.

وتتلخص مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر الحقيقية في فوز الزعيم الاشتراكي سلفادور الليندي برئاسة تشيلي في العام 1970. ورغم أن الليندي لم يحصل على الأغلبية المطلقة، أي أكثر من 50%، إلا أن حسب التقاليد انتخب بسبب حصوله على الأغلبية البسيطة، أي أنه نال أعلى الأصوات.

ولكن هذه النتائج لم ترق لإدارة الرئيس الأميركي نيكسون ولا لطاقم الأمن القومي والاستخبارات. وحسب ما جاء في كتاب «محاكمة كيسنجر» لكريستوفر هيتشين، أمر الرئيس الأميركي بالتخطيط لمنع تتويج الليندي رئيساً للبلاد.

وقد وجه الرئيس نيكسون هنري كيسنجر وريتشارد هيلمز، مدير وكالة المخابرات المركزية، بعمل اللازم لمنع الليندي من استلام السلطة مهما كلف الأمر.

وقد خصص مبلغ 10 ملايين دولار لتنفيذ الخطة. وجهز مسارين: الأول دبلوماسي، والثاني مسار من وراء ظهر الخارجية الأميركية لزعزعة استقرار تشيلي عبر عمليات اختطاف واغتيالات لإحداث انقلاب عسكري. ولكن كانت هناك عقبتان تتمثلان بتقليد عريق بعزوف العسكر في تشيلي عن التدخل في الشأن السياسي.

كما أن رئيس الأركان حينها الجنرال رينه شنايدر كان دائماً معارضاً لأي تدخل من قبل القوات المسلحة في الانتخابات، وقد نفذ عملية اغتيال الجنرال شنايدر من قبل جماعة مارقة داخل الجيش وبتوجيهات وأسلحة من وكالة المخابرات المركزية.

وتوضح الوثائق بشكل جلي أهداف الاغتيال كمقدمة لتدخل الجيش وعزل الرئيس المنتخب. كما أن من ضمن الخطة التضييق الاقتصادي على تشيلي لخنقها وخلق الجو المناسب للإطاحة بالرئيس. وهذا ما حصل فعلاً حين قامت قطاعات من الجيش بمؤامرة انقلابية يوم الحادي عشر من سبتمبر 1973.

وقد هوجم القصر الرئاسي من قبل الطائرات العسكرية وحوصر القصر وطلب من الرئيس الليندي الاستسلام. ولكنه أبى، بل إنه قيل بأنه زمجر على الضباط منبهاً أنهم يكلمون الرئيس وعليهم الامتثال لأوامره لا العكس.

وفي نهاية المطاف عندما شعر الليندي أنه محاط من قبل العسكر، وأنه لا مفر من القبض عليه آثر الانتحار على الاستسلام لضباط الجيش.

وقد تسبب هذا الانقلاب في الحادي عشر من سبتمبر بقتل آلاف من المعارضين السياسيين ونفي ما يربو عن مئتي ألف من التشيليين الذين فروا من حكم بينوشيه. ومن المفارقة أن 11/9/1973 تسبب في مأساة أكبر من 11/9/2001، ولكن العالم يحتفي بالثانية ويتجاهل الأولى.

 

Email