فضيحة إعلامية في واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرأ تقريرا مهما، على موقع سي إن إن الذي يبث بالعربية، يقول إن تنظيم داعش أوقع الإعلام الغربي، في فخ التغطية الكاذبة، والسبب في ذلك أن التنظيم أصدر بياناً بعد هجوم لاس فيغاس، ادعى فيه أن الحادثة التي أدت إلى مقتل وجرح المئات، من فعل أحد أنصاره.

الكارثة هنا، أن وسائل إعلام غربية، تشتهر بسمعتها المهنية، تورطت في تلك الرواية، واعتبرتها رواية صادقة، وقامت بإعادة بث المعلومات، من دون تدقيق، بل إن مراسلين كبارا لشبكات تلفزة أميركية، استبقوا تعليق الرئيس الأميركي، وأكدوا أن التنظيم وراء الحادثة.

هذه المعلومات سرت في الإعلام، وبين الأميركيين والعرب، بسرعة شديدة، لكن تعليق الرئيس الأميركي، الذي لم يشر فيه إلى "داعش"، ووصف الجاني، بكونه مريضا وخرفا، ويعاني من إشكالات، لها علاقة بممارسته القمار، أعاد توجيه بوصلة النقاشات، باتجاه آخر تماماً، لم يكن يتقصد تبرئة التنظيم، بقدر الحديث عن الفاعل الحقيقي، وليس من ادعى أن أحد جنوده ارتكبها داخل الولايات المتحدة.

هذه ليست المرة الأولى، فالتنظيم الذي يقتل الأبرياء، بكل سهولة، لديه القدرة أن يكذب بكل بساطة، وفي وقت سابق، عندما هاجم مسلح أحد مطاعم العاصمة الفلبينية، مانيلا، في يونيو الماضي سارع التنظيم إلى إعلان مسؤوليته، ولكن الشرطة الفلبينية سارعت لتقول إن العملية كانت من تنفيذ شخص لا علاقة له بالإرهاب كان يواجه مشكلات بسبب إدمانه القمار ووقوعه تحت ضغط الديون.

سابقا، وحين كان التنظيم قويا، لم يكن يلجأ إلى بث الأكاذيب عن عملياته، وما يمكن استنتاجه هنا، أن التنظيم وبعد الهزائم التي مني بها، بات يلجأ إلى بدائل، أي ادعاء عمليات لم تحدث، من أجل تضليل الرأي العام الغربي والعربي، والإيحاء بكونه لا يزال قويا.

المؤسف هنا، أن وسائل الإعلام الغربية، التي تريد في الأساس، نسب هذه الجرائم إلى العرب والمسلمين، تجد في ادعاءات "داعش"، تطابقا مع توجهها المسبق، باتهام أي تنظيم يرفع شعارات تنسب زوراً إلى الإسلام، وإلى هذه المنطقة.

المشهد، يؤكد أن التنظيم، يلعب دورا أساسيا، في تشويه سمعة المنطقة وتجريم العرب والمسلمين، إذ مع حوادث القتل التي يتم ارتكابها، وتلك العمليات التي تورط فيها، في كل مكان، يواصل ذات مهمته، بطريقة أخرى، وعبر الإعلام، من اجل عملقة التنظيم وقوته، عبر تبني عمليات لا صلة له بها أساسا، والمشكلة أن الرأي العام لديه قابلية للتصديق، بدلا من اعتبار هذه الحوادث مثلا حادثة لاس فيغاس، سببا في إعادة تعديل الموقف من العرب والمسلمين، عبر الإقرار، أن الجريمة من حيث المبدأ لا دين لها، وان الإرهاب، لا دين له، وأن أي طرف أو أي شخص، لديه قابلية للقتل، قد يرتكبها، تحت أي عنوان، ولأي مبرر كان.

ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية، كانت تتحدث عن شخص أميركي، أسلم أخيرا، وانتمى إلكترونيا، إلى هذا التنظيم، ولا أحد لديه الوقت، من اجل أن يدقق أصلا في الرواية، خصوصا، مع موروث مئات العمليات التي تم التورط بها، في أميركا، أو أوروبا، أو مناطق النزاعات مثل العراق وسوريا، ولربما المفارقة اليوم، أننا قد نسمع، عمن يقول إن الجاني ينتمي إلى "داعش"، فعليا، وان هناك من يريد أن يخفي هويته، حتى يخفف من حدة الاختراق الأمني، في الولايات المتحدة، والسبب في ذلك بسيط، إذ إن الصورة المشوهة، قوية إلى الدرجة، التي يمكن اعتبارها بالقابلة لأي إضافات، وغير القابلة، لأي تعديلات تخفف من حدتها، ضد العالم العربي والإسلامي.

لا يمكن في المحصلة، أن يقبل الإنسان السوي، جريمة قتل، كما حدث، باعتبارها تثبت أن الإجرام موجود في كل مكان، وان المجرمين ليسوا بالضرورة ينتسبون زورا وبهتانا إلى المنطقة، فالقتل هو القتل، وأيا كانت دوافع من ارتكبه، فهي دوافع تتلاقى وتتشابه، مع دوافع الآخرين التي قد تأتي لاعتبارات سياسية أو دينية أو مذهبية، ولربما هو توقيت فاصل، يتمكن من خلاله العرب والمسلمون، من التضامن مع ذوي الضحايا من جهة، وإيصال رسالة، مفادها، أن الإجرام، موجود في كل مكان في هذا العالم.

يبقى الاستخلاص الأهم، المتعلق بالإعلام، بل وبردود الفعل العربية الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تمنت بعد ساعات من الحادثة أن لا يكون الفاعل عربيا أو مسلما، أو تسرعت واعتبرت الفاعل عربيا ومسلما، وزاد من نار هذه التوقعات، البيان الكاذب الذي بثه التنظيم، معلنا فيه، أن المجرم جندي من جنود التنظيم، وما يمكن قوله، إن الرواية الإعلامية باتت بحاجة إلى تدقيق أكبر، حتى لا تصاغ على أساس الدوافع والاتهامات المسبقة.

هكذا صياغات تعد سقطة مهنية كبيرة، تثبت أن هناك من لا يريد أن يقتنع أن الفاعل أو المجرم، قد يكون من أي دين او جنسية، وأن الإجرام ليس مزروعا في الشرق الأوسط، بل نجده في كل مكان، في هذا العالم.

لقد كشفت الحادثة، الكثير، عما يمكن أن يقال، بما يثبت أن الأمور، ليست مجرد تغطيات إعلامية متسرعة، وبما يمكن وصفه، بالتضليل الذي مارسه التنظيم، وأوقع عبره وسائل إعلامية كبيرة، في فخه، وفقا لتعبير موقع سي إن إن ذاته.

Email