الجَدّ المُجدَّد

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في تعريف المُجدد في الثقافة الإسلامية على أنه عالم دين يبعثه الله على رأس كل مائة سنة ليجدد للناس دينهم عن طريق القيام بأعمال جليلة ونشر العلم الديني بين الناس، بالإضافة إلى إحياء سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاربة البدع المنتشرة بين الناس في زمانه، وقد أكد الحديث الشريف «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (حديث صحيح).

جاء في التاريخ الإسلامي العديد من المجددين أمثال (الحسن البصري، الشافعي، ابن سيرين، الأشعري، والغزالي)، وغيرهم من الأسماء اللامعة التي تركت لها بصمة في الإرث والموروث الإسلامي ممن مازلنا نتداول أعمالهم وتفاسيرهم سواء للحديث أو للقرآن الكريم حتى يومنا هذا.

لقد وضع علماء الفقه والدين العديد من الشروط الواجب توافرها في الُمجدد ومن بين أهم الأعمال التي تميز المُجدد عن غيره من العلماء أن يقوم بتجلية الإسلام مما به من الانحرافات والشوائب الدخيلة على مفاهيمه الأصيلة، وهنا نتساءل هل وجد في عصرنا الحالي من هو أهل لهذه الصفة؟ هل يوجد مجدد للزمان الذي نعيشه؟ وقد تصعب الإجابة كثيراً، فما نشهده حالياً من بعض رجالات الدين أنهم هم الذين يحرفون الإسلام ويدخلون عليه الشوائب ليبعدوه عن مساره الصحيح، وربما تكررت هذه الحادثة كثيراً لكن نحن قوم نقدس التاريخ فلا ننظر له من زاوية المفتش بل من زاوية المقدس.

إن كان سيظهر لنا أحد من علماء الدين وينصب نفسه أو ينصبه تلامذته ممن تعلموا على يديه، أو ينصبه المتابعون أصحاب اللايكات والريتويتات، أو ينصبه سيده من يدفع له الشيكات على أنه المُجدد لهذا الزمان، فهنا ستكون الكارثة الحقيقية، فقلة قليلة من أصحاب الفقه وعلومه ممن يمتثلون بحق لآيات الله وسنن رسوله، أما هؤلاء حفظة التاريخ من فكر الأجداد لا صلة لها بالتجديد ولا بالجديد، وما التجديد في قولهم إلا أن يذكرونا بما كتب في بطون الكتب، وهناك البعض من أصحاب النظرة التجارية، فهؤلاء ينظرون للتفاسير والتشريعات الدينية على أنها صفقة لها مقابل سواء مادي أو معنوي، وهؤلاء كثيرو التأثر بالحالة السياسية التي تسود البلاد والعباد.

المُجدد في زماننا هذا نادراً، حتى وإن ذهبت الأصابع تشير لبعض الأسماء من علماء الدين، وقالوا بأنهم مجددو هذا الزمان، فبرأيي الُمجدد هو عالم يأتي بجديد، وعلى أن يكون هذا الفكر الجديد يتناسب مع طبيعة هذا الزمان، ولا يتعارض مع المفاهيم الإنسانية أو المعيشية التي وصلت إليها أمتنا في هذا الزمان.

المُجدد ليس هو ذلك الشخص الذي يأتي لينسف لنا حاضرنا ويطالبنا بأن نعود لنماذج الحياة القديمة، ويطالب الجميع الاقتداء بها ويرى ممن يخالفون فكره نكرة أو كفار يجب محاسبتهم، إنما المُجدد هو ذلك الشخص العالم المطلع على أمور الدين بمفاهيمها وفكرها وليس بشكلها، وهو من باستطاعته أن يوازن ويخلق الانسجام بين مفاهيم الإسلام الأصيلة وما استحدث ودخل من مستجدات ومفاهيم حياتية حديثة.

فإذا أردنا إضفاء صفة المجدد على أحد علماء عصرنا فعلينا أن نطالبه بأن يزيل شوائب الغلو والتطرف التي التصقت بديننا الإسلامي، وهو من عليه أن يعرف الناس أن الإسلام دين محبة دين تعايش، وليس دين قتل ودماء، وبفضل علومه تتغير مفاهيم غير المسلمين عن ديننا الحنيف وباجتهاداته يرد على كل البدع المنتشرة بين الناس والتي مفادها أن جميع البشر هم كفار أنجاس خنازير وإخواناً للشياطين.

المُجدد الحقيقي تنتظره مهمات كثيرة أهمها أن ينزع الإسلام من عباءة السياسة، ولا يجعل ديننا مسيّساً لأهواء أحزاب سمت نفسها إخواناً مسلمين أو غيرهم ممن يتوارون تحت حجاب الإسلام والإسلام منهم براء، وعليه أن يقف بوجههم ويعرفهم أن الأخوة في مفهومها الإنساني والإسلامي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وليس أن تضع أخاك في فوهة الحريق لكي يدافع عن مصالح حزبك وملتك ومذهبك، المُجدد هو الوحيد القادر لأن يتصدى لذلك الكم الهائل من دعاة الفتنة والضلال التي أصبحت فتاويهم محط استهزاء للعقلاء وغير العقلاء.

المُجدد هو من عليه أن يفهم الأمة أن الإسلام لا يتعارض مع العلم، ولا مع تجاربه المثبتة في كتب العلوم والفيزياء والطب والأحياء، إنما هو منظم أكبر لكل هذه التنظيمات والمفردات والعوالم، المُجدد هو من سيحيي عقول المسلمين، ويخرجهم من سباتهم العميق والعقيم، ويقول لهم إن الله ميزنا بالعقل عن سائر المخلوقات، فلتتفكروا بخلق الله وكلماته وسننه وتشريعاته لتشعروا وتعلموا عظمة الله سبحانه وتعالى.

المُجدد أخيراً ليس هو ذلك الجَدّ المُجدَّد الذي يسترجع ما كتبه غيره، إنما هو من يصنع فارقاً حقيقياً إيجابياً في حياة الفرد والمجتمع والأمة، ويضع النقاط على الحروف لتمضي الأمة الإسلامية في طريق معلوم بدلاً من التخبط في المجهول.

Email