مصر وصناعة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في وثيقة «رؤية مصر ٢٠٣٠» ما يحدد الهدف الذي نسعى إليه وهو أن نتقدم في جميع المؤشرات العالمية حتى تكون مصر ضمن الدول الثلاثين الأولى في العالم عند نهاية الفترة المقررة أي بعد دستة من السنوات.

بالطبع فإن ذلك لن يحدث فجأة أو تأتي معجزة عام ٢٠٢٩ فتأخذ بيدنا إلى المكان الذي انتوينا الوصول إليها، وإنما سوف يحدث ذلك من خلال عملية تراكمية تصنع هذه اللحظة بدءاً من العام ٢٠١٥ عندما بدأت «الرؤية».

نحن نتقدم إلى الأمام، وبعد أن كان معدل نمونا يتراوح حول ٤٪ تقريباً، فإن الربع الأخير من العام المالي المنتهي كان معدل النمو فيه ٤.٩٪، وهناك في تصريحات المسؤولين ما يشير إلى أن هذا المعدل سوف يتعدى ٥٪ خلال العام المالي الحالي. وفي الأسبوع الماضي فإن مصر تقدمت ١٥ مرتبة في مؤشر التنافسية العالمي، فارتفع قدرنا من المكانة ١١٥ من ١٣٧ دولة إلى ١٠٠ بين نفس العدد من الدول.

وإذا نظرنا ملياً إلى مؤشر التنافسية العالمي فسوف نجد أن لدينا أموراً تتحسن وكانت السبب في نقلتنا التي جرت، منها حجم السوق المصرية وحالة البنية الأساسية؛ ومتوقع أن صدور قانون الاستثمار سوف يحسن من هذا الوضع ؛ النتيجة في النهاية أننا نحتاج جهداً أكبر، واستثماراً أوسع، وحشداً وتعبئة لكافة الموارد المتاحة لدى الدولة والقوات المسلحة تحديداً، والقطاع الخاص، والقطاع التعاوني، والقطاع الأهلي.

يجب علينا الاهتمام بعنصري التعليم العالي والتدريب، وما يسمى الاستعداد التكنولوجي، وكلاهما يحتاج نظرة من قريب لأنهما من المعجلات الأساسية لرفع مستويات النمو التي هي القاطرة لتحقيق كل ما نريد تحقيقه. وربما نختصر كثيراً من الزمن إذا ما استفدنا من حقيقة أننا نأتي متأخرين إلى التطور التكنولوجي العالمي، ومن ثم فإننا يمكننا الحصول على آخر ما وصل إليه من إبداع ومبتكرات واختراعات دون المرور بالضرورة على كافة المراحل الزمنية السابقة عليها.

قرأت تقريراً بثته وكالة «رويتر» منذ أيام حول توصل العلماء في كندا التي صيفها قصير إلى أنواع من الذرة تنضج خلال فترة قصيرة وبأضعاف الإنتاجية الحالية للوحدة الإنتاجية (فدان مثلاً).

والحقيقة أن التقرير لم يكن عن زراعة المحصول وإنما كيف أن النتائج المترتبة عليه سوف تعني فائضاً كبيراً في السوق الدولية ليس فقط للذرة وإنما لكل أنواع الحبوب، وما سوف يسببه هذا التطور من أزمات اقتصادية للمزارعين نتيجة الانخفاض الشديد في الأسعار.

مثل هذا التطور يمثل علامة فارقة بالنسبة لمصر التي تعد من أكبر دول العالم استيراداً واستهلاكاً للحبوب؛ ولما كان واقعنا الجغرافي مختلفاً عن ذلك الموجود في كندا، وأننا بالفعل لدينا القدرة على زراعة أكثر من محصول في العام الواحد، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي وحتى التصدير لا يكون بعيد المنال.

ولقد سبق لي التناول في هذا المقام لما بات يسمى بالثورة التكنولوجية الصناعية الرابعة؛ وأظن أن فيها من المجالات التي تمسنا مباشرة، وتعطينا دفعات كبيرة إلى الأمام وأولها المجال الزراعي الذي تمددت فيه المبتكرات ليس في الحبوب وحدها، وإنما في كافة أنواع الغذاء الذي بات أكثر قدرة على التغذية، وأكثر سرعة في الإنتاج، وأكثر تحملاً لعوامل الطبيعة التي قد تفسده ومن ثم يمكن تصديره (هناك تقدم ملموس بالفعل حدث في زراعة العنب والفراولة في مصر وغيرها نتيجة الجهود التي بذلها المهندس كامل دياب، رحمه الله؛ كما أن هناك مقترحات مفيدة في هذا الشأن من الدكتور محمود عودة).

وثانيها مجال تحلية المياه وتنقيتها وإعادة إنتاجها، إن التقدم الذي جرى لهذه التكنولوجيا يجعل أزمات المياه المستقبلية مسألة يمكن تجنبها ليس فقط لأغراض الزراعة، وإنما لأغراض التعمير للسواحل المصرية وتحقيق ما أشرنا له من قبل من ضرورة انتقال القاعدة البشرية والإنتاجية المصرية من النهر إلى البحر.

وثالثها الطاقة الشمسية التي ربما سوف يتغير اسمها قريباً إلى الطاقة «الضوئية» لأن كل «فوتونات» الضوء اليوم يمكن تدويرها مرة أخرى كمصدر للطاقة (الجيل الجديد من طرز iPhone وساعة آبل) لم تعد تحتاج عملية الشحن الكهربائي الدورية بعد أن أصبحت تستمد طاقتها من أي مصدر ضوئي متاح، سواء كان الشمس أو الضوء العادي.

لا أظن أننا نحتاج لمن يحدثنا عن أن مصر لديها واحد من أكبر مخزونات الطاقة الشمسية والضوئية في العالم.

تفاصيل كل ذلك كثيرة، والاستطراد في الموضوع ممكن، ولكن الرسالة بسيطة وهي أن نبحث عن آخر التكنولوجيات العالمية في الموضوعات الرئيسية التي تهمنا، وساعتها لن تكون معضلة في تحقيق أهدافنا المستقبلية.

Email