تصاعد اليمين الألماني

ت + ت - الحجم الطبيعي

سطّر اليمين الألماني ممثلاً في حزب البديل من أجل ألمانيا صفحة جديدة في تاريخ السياسة الألمانية بفوزه بأكثر من 13% من أصوات الناخبين في الانتخابات العامة.

خطف حزب البديل الأضواء من تحالف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي فاز تحالفها بأكثر من 32% من الأصوات، ومع ذلك فازت ميركل بولاية رابعة كمستشارة للبلاد.

يضاف إلى ذلك حصول الحزب الديمقراطي الاشتراكي على 20% من الأصوات، وهي أقل نسبة له منذ الحرب العالمية الثانية، وسينتقل الحزب للمعارضة بعد أن كان حليفاً لميركل في الحكومة قبل الانتخابات.

إن أهم القضايا التي كانت سبباً في فوز اليمين وتمثيله في البرلمان للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية كانت الهجرة والمتطرفين.

يعرف عن الحزب أنه ضد الهجرة. ناشد الحزب قطاعاً من المجتمع الذي يشعر بالخوف من الهجرة والمهاجرين ولاسيما المسلمين في ضوء سياسة الباب المفتوح للمستشارة ميركل والتي أدت إلى دخول مئات الآلاف إلى البلاد وبعض العمليات الإرهابية التي وقعت على الأراضي الألمانية.

فقد أظهر استطلاع لرأي الناخبين بعد خروجهم من المقار الانتخابية أن نحو نصف الناخبين الألمان يخشون تزايد تأثير المتطرفين في المجتمع الألماني. وكشف الاستطلاع الذي أجراه معهد «إنفراتست ديماب» للأبحاث أن 46% من الناخبين الألمان يعبرون عن مخاوفهم من التأثير المتزايد للمتطرفين.

يضاف إلى ذلك ما ذكره رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي ألكسندر غاولاند أن «انتشار التطرف والمتطرفين يمثل تحدياً مباشراً للسلام الداخلي للبلاد». وأضاف أن هناك تغيرات تبعث على القلق والخوف تحدث في ألمانيا حالياً، موضحاً أن تزايد التطرف في المجتمع يمثل تحدياً لألمانيا كدولة حرة تتمتع بسيادة القانون.

وأكد حزب البديل على موقفه بأنه لا يعتبر الإسلام جزءاً من ألمانيا. ومع ذلك فقد أوضح الحزب أن غالبية المسلمين ملتزمون بالقانون ويعيشون مندمجين ويعتبرون جزءاً من المجتمع.

فقد فرق الحزب هنا بين الإسلام كدين وبعض المسلمين المتطرفين، ويبدو أن مشكلته هي مع الإسلام كدين يستخدمه بعض المسلمين بمحاولة بناء هوية خاصة بهم تختلف عن هوية المجتمع الذي يعيشون فيه.

هناك جزء من المجتمع الألماني الذي يتعاطف مع تلك السياسة، وهذا يفسر خسارة ائتلاف ميركل التي أكدت أن الإسلام يعتبر جزءاً من ألمانيا ولكنها أضافت: «وهو الإسلام المتوافق مع الدستور».

وقال شولتس زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي أن الإسلام هو طائفة دينية مثل أي طائفة أخرى قابلة للاندماج في بلادنا. وتحاول ميركل أن تتعامل مع تلك الخسارة بالتعامل مع مخاوف قطاع من المجتمع الألماني بخصوص المهاجرين بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة.

فقد قالت إنه يتعين إغلاق المساجد التي تنشر إيديولوجية لا تروق للمجتمع الألماني. ولكن المهمة صعبة أمامها، لأن قوة حزب البديل واليمين تكمن في قضيتي الهجرة والتطرف، وسوف ينظر إلى ما تقوم به كرد فعل وليس سياسة أصيلة لائتلافها المكون من الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي.

يمكن القول إن فوز حزب ماري لوبان بنسبة كبيرة في الانتخابات الفرنسية واليمين الهولندي بنسبة مماثلة في هولندا، ووجودهما في برلمانات بلادهم، يشكل اتجاهاً لتصاعد اليمين في أوروبا. إن تصاعد اليمين في ألمانيا سيضفي تغييرات مهمة على الخريطة السياسية الألمانية مثلما هو الحال في فرنسا وهولندا وبلدان أوروبية أخرى.

لم يرق فوز اليمين إلى أن يكون التيار السياسي السائد في تلك البلدان، ولكنه يشكل تحدياً للأنماط السياسية السائدة، ويتطلب حلولاً خلاقة من قبل ميركل لوقف تصاعد نجمه في المجتمع. إن الأمر لن يكون سهلاً في ألمانيا للمشكلات المعقدة المرتبطة بالأعداد الكبيرة من المهاجرين ومحاولة بعضهم تكوين مجتمعات خاصة بهم تتناقض مع قيم المجتمع الألماني.

تخطئ بعض قطاعات المهاجرين في تصور إمكانية إنشاء دولة داخل دولة وهوية تتناقض مع الهوية السائدة. ومن هنا يحدث الصراع والعمليات الإرهابية والقلق والشكوك داخل المجتمع بين القطاعات المختلفة.

هناك دور كبير للمهاجرين بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة للحد من تصاعد اليمين من خلال تقديمهم نماذج مضيئة في الاندماج والتعايش والبناء في ألمانيا ووقف كل من يحاول الإضرار بهم وبالمجتمع الذي يعيشون فيه.

* كاتب مصري

Email