الوصايا العشر لإنقاذ الأمم المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان الحديث عن فشل الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها وتحويل هدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين إلى حقيقة واقعة في الميدان العالمي عبر عشرات السنين الماضية، فلا شك ومن دون أدنى تفكير لن نجد أفضل من القضية الفلسطينية نموذجاً عملياً لتطبيق الحكم السابق عليها.

فمنذ نشأتها في العام 1945 واكبت الأمم المتحدة تطورات الصراع العربي الإسرائيلي كظلها، وفي القلب منه القضية الفلسطينية بكل تأكيد، وفشلت المنظمة الدولية ــ كما هو معلوم للقاصي والداني ــ في تنفيذ أي من قراراتها التي تعد بالمئات لإنصاف الشعب الفلسطيني ومنحه حقوقه المشروعة، فظلت تلك القرارات مجرد حبر على ورق حبيسة الأدراج دون أن ترى النور.

والأسباب لذلك متعددة، ولكن ما يهم في هذا المقام الأسباب المتعلقة بآلية عمل المنظمة الدولية وعدم فاعلية عديد من مؤسساتها وهيئاتها في تنفيذ القرارات الصادرة عنها بشأن قضايا مختلفة وذلك كنتيجة مباشرة لغياب التوافق الدولي وانقسامات القوى الكبرى حول مصالحها الذاتية وتسييس القضايا فضلاً عن ازدواجية المعايير والكيل بأكثر من مكيال تجاه القضايا والأزمات المتماثلة.

تلك الظواهر والحقائق المزمنة داخل أروقة ودهاليز الأمم المتحدة تقدم أسباباً واضحة لفشل مختلف المشروعات وكثير من الجهود الدولية التي بذلت على مدار السنوات الماضية لإحداث تطوير حقيقي للمنظمة الدولية، والسبب ببساطة أنها لم تقتحم بفاعلية أسباب الخلل الجوهرية وحاولت التعامل مع قضايا هامشية أو شكلية ــ حتى وإن كان لها بعض الأهمية ــ مثل البيروقراطية والتمويل، ومن ثم توشك المبادرة الأميركية الجديدة لإنقاذ الأمم المتحدة بالإصلاح على مواجهة المصير ذاته.

هذه المبادرة التي جاءت في شكل «عشر وصايا» طرحتها واشنطن خلال اجتماع رفيع المستوى حول إصلاح الأمم المتحدة في نيويورك يوم 18 سبتمبر الجاري بمبادرة أميركية وبمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوبلت بارتياب شديد من قبل بعض شركاء واشنطن، الذين عبروا عن عدم رضاهم عن الطريقة التي أعلنت بموجبها المبادرة الأميركية.

كان لافتاً ومثيراً في الآن ذاته أن الولايات المتحدة من أكثر الدول الأعضاء في المنظمة الدولية انتقاداً لأدائها ودعوة لإصلاحها، حيث جاءت أحدث تلك الانتقادات ودعوات الإصلاح الأميركية خلال اجتماع نيويورك لمناقشة قضية إصلاح المنظمة عشية انعقاد اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الجديدة.

ففي سابقة ربما كانت هي الأولى من نوعها لرئيس أميركي، أعلن دونالد ترامب أن المنظمة الدولية لم تحقق أهدافها بسبب البيروقراطية وسوء الإدارة، مطالباً المنظمة الدولية بالتركيز على الناس أكثر من تركيزها على البيروقراطية، وحض الدول الأعضاء على اتخاذ ما وصفه بـ «موقف جريء» لتغيير طريقة عمل المنظمة الدولية بدل التمسك بالأساليب التي أثبتت «فشلها»، داعياً الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، للعمل على إحداث تغييرات.

ومثلما كان متوقعاً وانطلاقاً من ميراث أزمة الثقة وغياب الإرادة انقسم العالم بشأن تلك المبادرة الأميركية، فمن جهة أيدت 142 دولة إعلان العشرة بنود الذي أعدته الولايات المتحدة، ويدعو إلى إصلاح الأمم المتحدة، ويرسم الخطوط العريضة للعمل على تفعيل المنظمة الدولية، كما دعت الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، وكندا واليابان، إضافة إلى 137 بلداً آخر، الأمين العام للمنظمة إلى الشروع في إصلاح فعال وهادف لجعل الأمم المتحدة تناسب غرضها، مؤكدة دعمها لقيادته هذه العملية.

وأكدت الوثيقة أن كل دولة تتحمل المسؤولية الأساسية عن تطورها الاقتصادي والاجتماعي، ودعت إلى تعزيز دور الأمم المتحدة في إيجاد منصة للشراكة لمصلحة ضمان التنمية العالمية المستدامة.

وعلى الجهة المقابلة، جاء رفض دول عديدة أعضاء بالمنظمة الدولية التوقيع على الإعلان الأميركي، كان من أبرزها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي كروسيا والصين، وفي هذا الصدد أوضحت الخارجية الروسية تأييد موسكو التام لفكرة إصلاح الأمم المتحدة، غير أنها تشترط أن تتخذ القرارات المتعلقة بالإصلاح من قبل الدول الأعضاء وعبر الحوار الشامل والجاد والمتعدد الأطراف، وليس على أساس مبادرة من دولة واحدة فقط.

وبدورهما، برر كل من فاسيلي نيبينزيا، مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، ورئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي موقف بلادهما الرافض لدعم هذه العملية أو المشاركة فيها بأن إصلاح الأمم المتحدة وتغييرها لا يمكن إجراؤهما من خلال مجرد إعلان أميركي.

وإلى أبعد من ذلك، ذهب السيناتور الروسي كلينت سيفيتش، حينما أكد أن لقاء لزعماء عدد من الدول حول إصلاح منظمة الأمم المتحدة - دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعقده - إنما يحمل في طياته تهديداً للأمن العالمي، على اعتبار أن أي محاولات لتغيير شيء ما في أداء هذه المنظمة الدولية تعد التفافاً على روسيا التي هي من مؤسسي الأمم المتحدة والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي بها، كما ستقود لا محالة إلى تدمير الأمم المتحدة.

.. ولعل في تلك المواقف وهذه التصريحات وكذلك الانقسامات المعهودة ما يؤكد مبكراً أن «الوصايا العشر» الأميركية لن تنجح في إنقاذ الأمم المتحدة أو إصلاحها.

 

Email