عن إصلاح الأمم المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أول خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن هذه المنظمة الدولية لم تحقق أهدافها بسبب عقمها البيروقراطي، هذه المقولة تمثل تكراراً مملاً لما سبق للرجل أن باح به من آراء أثناء حملته الانتخابية، وكان قد زاد وقتذاك بأن وصف الأمم المتحدة بالعجز وعدم الكفاءة.

الحكيم ترامب استحث أعضاء الأمم المتحدة على اتخاذ موقف جريء لتغيير أسلوب عملها بحيث يجري التركيز على قضايا الناس بأكثر من اهتمامها بالشؤون الإدارية، ويلفت الانتباه أن الأمين العام انطونيو غوتيريس يلقي بدوره باللائمة على بيروقراطية المنظمة؛ وهو يعتقد أنها تعمل وفق قوانين تم وضعها للتعطيل وليس للتسهيل والإنجاز.

يقارب ترامب قضية إصلاح الأمم المتحدة بمنطق سطحي. فهو يتجاهل أنه يتربع على عرش الدولة الأقوى والأكثر تغلغلاً في قضايا العالم، الباردة منها والساخنة، وأنها تملك معظم أدوات حل هذه القضايا أو تعقيدها وتأبيدها. وعوضاً عن استخدام هذه الميزة بعين العدالة والإنصاف وما ينفع الناس، يهتم الرئيس الأميركي بخفض ميزانية المنظمة لأن «الولايات المتحدة تساهم بالجزء الأكبر منها».

واشنطن حرصت دوماً على طي الأمم المتحدة تحت جناحيها. ولا يبالغ كثيراً من يدفع بأن الولايات المتحدة تقف على رأس القوى الدولية؛ التي كثيراً ما وضعت العصي في دواليب هذه المنظمة.

لعل أم المفارقات في خطابي ترامب وجوتيرس؛ الداعيين جدلاً إلى انتشال المنظمة الدولية من بيروقراطيتها الخاملة وقوانينها العاجزة، قد تواكبا والشكوى الفلسطينية المريرة من الشلل المزمن في تطبيق المواثيق والقرارات المتعلقة بفلسطين على مدار السبعين عاماً الماضية. وخلاصة الأمر هنا، أن الفلسطينيين كانوا أوائل المتضررين من مداخلة الأمم المتحدة في قضيتهم. فهي اتخذت قبل سبعين عاماً بالتمام قراراً بتقسيم بلادهم، مانحة صك براءة لنشوء دولة إسرائيل الاستيطانية، والتأسيس لصراع دموي ضروس ما زالت أصداؤه تتردد منذ ذلك الحين.

على أن هذا المحفل ذاته أصدر تالياً مئات القرارات العاطفة على حقوق الإنسان الفلسطيني الجماعية والفردية؛ التي ظلت حبراً علي ورق. وبذلك تحول إلى «مكلمة كبرى» يبث الفلسطينيون ظلامتهم أمامها؛ وربما تم ذلك بالصيغ والمفردات ذاتها كل عام. ترى من المسؤول عن ذلك، أهي بيروقراطية الأمم المتحدة وقوانينها أم سياسات بعينها لقوى بعينها؟

القصد، أن معالجة الأمم المتحدة لقضية فلسطين لم تكن مثالية، ولا التزمت بالعدالة وحكم القوانين والمواثيق؛ التي يفترض أنها تسهر عليها. ومع ذلك فإن العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة قبلوا هذه المعالجة بعجرها وبجرها؛ لكنهم عملياً لم ينالوا من هذه الطاعة خيراً أو ما يستحق الإشادة. ولا يعود هذا الحصاد إلى عيوب في بيروقراطية المنظمة الدولية ولا إلى نقائص في شرفها القانوني، وإنما إلى تعجيز هذه البيروقراطية وخرق القانون بفعل فاعلين يضعون القوة فوق الحق. ويعرف الخلق جميعهم من هم هؤلاء الفاعلين.

ميثاق الأمم المتحدة وما طرأ عليه من شروح وتعديلات، وما صدر عن هذه المنظمة وفروعها من قرارات وما لديها من آليات، بها ما يكفي وزيادة لإقرار السلم والأمن في فلسطين وغير فلسطين. لكن العيب الذي يحول دون تحقيق هذا الهدف يكمن في السياسات العملية لبعض القوى والفواعل الدوليين. وبين هؤلاء الفواعل من يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

هذا العيب هو الذي يحتاج إلى أولوية الإصلاح وليست البيروقراطية ولا القوانين. ومن المعلوم أن أعظم المواثيق والأطر القانونية وأكثرها حرفية وسمواً حقوقياً وأخلاقياً، لا يمكنها وحدها ضمان بلوغ الغايات التي صكت من أجلها ما لم تتعزز بأفعال المخلصين؛ الذين يرون الحق حقاً فيتبعونه ولا يحيدون عنه لأهواء ومصالح ذاتية.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني

Email