إقليم كردستان واستحقاقات الاستفتاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بضعة أيام فقط تفصلنا عن الاستفتاء في إقليم كردستان بشأن الاستقلال وسط تصاعد خطير في التراشقات الكلامية المشبعة بالنعرة الشوفينية والتصريحات غير المنضبطة وتزايد في التخوفات من صدامات قادمة، فحكومة الإقليم مصممة على إجرائه في موعده على الرغم من فشلها في الحصول على تعاطف محلي وإقليمي ودولي حول ذلك، وعلى الرغم من المخاطر التي تعترض تنفيذه مع وجود خصوم أقوياء في الجوار من أشد المعادين للقضية الكردية لم يخفوا عزمهم على القيام باتخاذ إجراءات قوية قد تصل حدود استخدام القوة في ضوء عدم وجود حليف محلي أو إقليمي يمكن لحكومة الإقليم الاتكاء عليه.

حكومة الإقليم تبدي تصلباً شديداً إزاء الدعوات للتراجع عن قرارها الخاطئ بإجراء الاستفتاء، إذ على الرغم من أن الدول العظمى والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة كررت مطالبتها بالتأجيل وعرضت بدائل عديدة لن تضر بجوهر القضية الكردية بل تجنبها انتكاسة جديدة تعيدها عشرات السنين إلى الوراء وتخفف من تداعياتها السلبية على وضع الكرد في الدول الأخرى، وتجنب العراق وعموم المنطقة كوارث متوقعة، إلا أن الرفض من قبل حكومة الإقليم كان الجواب عن ذلك بحجة أن أياً منها لا يمثل بديلاً أفضل من الاستفتاء.

وقد زاد الطين بلة الإصرار على إجرائه في المناطق المتنازع على عائديتها، علماً بأن العديد من هذه المناطق تعيش أوضاعاً غير طبيعية قد هجرها أهلها في ظروف الحرب على تنظيم داعش، وإجراء كهذا يضاعف إلى حد خطير من عمق الهوة بين بغداد وأربيل، ويقدم لبعض القوى المعادية للقضية الكردية داخل العملية السياسية ذرائع لطرح خياراتها العسكرية، فهي بمثابة تنفيذ المادة 140 من الدستور من طرف واحد وفق شروطه وآلياته، وهو ما دفع رئيس الوزراء إلى التلويح بالتدخل العسكري في حال لجأت أربيل إلى القوة لفرض نتائج الاستفتاء أو حدثت فوضى بسبب إجرائه، وكان مجلس النواب قد خوله في جلسته في الثاني عشر من سبتمبر الجاري اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحفظ وحدة العراق.

في هذا السياق يطرح التساؤل عن مدى قدرة الإقليم في ظروفه الحالية على التحول إلى دولة تعتمد على قدراتها الذاتية في البقاء والتطور، فهناك مشاكل سياسية ودستورية واقتصادية لم يعد بالإمكان إخفاؤها، تقف عثرات خطيرة في طريق إنشاء دولة كردية، فالإقليم ليس لديه اقتصاد مستقل وليس لديه جيش موحد.

فمنذ فبراير 2016 بدأ القطاع العام يعاني من متاعب مالية انعكست بشكل سلبي على قدرات الإقليم في الاستمرار بدفع الرواتب كاملة للموظفين، فتدابير التقشف التي اتخذها لمواجهة ذلك تطلبت إجراء تخفيضات في الرواتب تصل إلى 75 في المائة تسبب في ظهور الاستياء والاحتجاجات للعلن ربما للمرة الأولى منذ 25 عاماً، لأن بغداد قد توقفت عن دفع حصة الإقليم من الميزانية المركزية في ضوء خلافات سياسية لا مجال للخوض فيها، فالإقليم غير قادر على تصدير ما يزيد على ستمائة ألف برميل من النفط يومياً في الوقت الذي يعاني من صعوبات في سداد الديون لبعض الشركات النفطية.

ويتفق خبراء اقتصاديون محليون على أن واقع اقتصاد الإقليم يفتقر للتوازن، فالاستهلاك يفوق الإنتاج بكثير، ويرجع ذلك جزئياً لعدم وجود بنية تحتية صناعية قادرة على تغطية حاجات السوق أو معظمها ويرجع أيضاً إلى التراجع في قطاع الخدمات وفي الإنتاج الزراعي، وإلى التراجع الكبير في القطاع السياحي منذ عام 2014 حين أصبح الإقليم تحت تهديد تنظيم داعش باجتياحه عندما سيطر على مناطق واسعة بجواره.

أما على المحور السياسي فرغم أن مختلف القوى السياسية الكردية مجمعة حول حق الكرد في تقرير مصيرهم في إنشاء دولة خاصة بهم بحكم خصوصيتهم العرقية والثقافية والجغرافية والتاريخية، إلا أن هناك خلافات حول سيناريوهات مقاربة ذلك.

فبالقدر الذي عكس موضوع الاستفتاء عمق الخلافات بين بغداد وأربيل، كشف كذلك عن الخلافات الكردية الكردية، فالاعتراض على الاستفتاء أو على موعد إجرائه لم يقتصر على كتلة التغيير والقوى الإسلامية فحسب، بل ارتفعت أصوات من قبل قياديين في الاتحاد الوطني الكردستاني منتقدة هذا التوقيت وموظفة إياه في الصراعات السياسية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، خصوصاُ مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في نوفمبر. فهم يرون بأن هذا التوقيت قد جرى من منطلق التفرد بالقرارات المصيرية للشعب الكردي ولم يجرِ وفق آليات دستورية.

كما كشف حجم الدعم البرلماني على إجراء الاستفتاء في موعده عن هذه الخلافات، فقد بلغ عدد الذين صوتوا لصالح ذلك 65 نائباً من إجمالي عدد نواب البرلمان البالغ 111، حيث تغيب عن الحضور أكثر من أربعين نائباً وهو ليس مما يطمئن رئاسة الإقليم على مآلات الوضع بعد الاستفتاء.

* كاتب عراقي

Email