ليست أزمة عراقية فقط

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل التطورات، تؤشر إلى أن العراق يدخل مرحلة أخطر وأصعب، خصوصاً مع اندلاع أزمة الأكراد، ولا يمكن إلا أن نرى العراق، إلا أمام أحد سيناريوهين، الحرب، آو تقسيم العراق.

أزمة الانفصال ليست جديدة، كل مؤشراتها كانت تطل بنفسها، على مدى عقود، وكانت أزمة الهوية، تخضع لجدولة، فقط، لكن لم يكن ممكناً أن لا تنفجر لاحقاً، لاعتبارات كثيرة، لها علاقة بداية، بطبيعة المكون القومي الكردي، وتقسيمه بين عدة دول، إضافة الى الطريقة التي أديرت بها العلاقة، مع الأكراد، وهي طريقة، أججت من رغبتهم بالانفصال، في اكثر من دولة، ولم تلعب دوراً في إطفاء نيران الدعوات الانفصالية.

الانفصال الكردي، عن العراق، متحقق فعلياً، لاعتبارات عدة، لكن تحويله الى واقع سياسي، على شكل دولة معترف بها، يواجه تعقيدات كثيرة، اقلها الإشارات الأوروبية والأميركية، التي تقف ظاهراً، ضد الاستفتاء المفترض، بما قد يؤدي الى الانفصال، وفي الحد الأدنى، إيصال رسالة للعالم، أن الأكراد، يؤيدون الانفصال، ولو في توقيت متأخر.

أكثر الأطراف ذعراً من انفصال الأكراد، هما إيران وتركيا، ولكل دولة حساباتها. الإيرانيون حصراً يعتبرون أن هذه معركة جديدة تم فتحها ضدهم، عبر إرباك الحكومة العراقية المدعومة إيرانياً، بمعنى أن حكومة بغداد .

وبعد أن شعرت باستقرار الأمور نسبيا، بعد هزائم داعش، وبما يصب لصالح مشروع ايران بالتمدد في المنطقة، عبر العراق وسوريا، تواجه اليوم معركة اشد صعوبة، وتتجاوز وجود جماعات متطرفة تقاتل على الأرض، وتذهب الى تشظية العراق رسمي.

الأكراد هنا يرفعون دعوات الانفصال لاعتباراتهم القومية، لكنهم فعليا، يفتحون معركة للإيرانيين في العراق، بالوكالة عن قوى اخرى، عبر إرباك الحكومة التابعة لطهران، ومن جهة أخرى، فإن تحرك الأكراد، لا ينفصل في تأثيراته عن تطلعات ألأكراد في إيران، وتركيا لاحقاً.

هذا يعني أن طهران وانقرة، تشعران باضطراب شديد إمام هذا التحرك الكردي، الذي يحقق رغبات قومية، ويسدد ضربات بنيوية للإيرانيين والأتراك، على صعيد ارتدادات ذلك، عليهما.

لكن السؤال الأهم، يتعلق بقدرة الأكراد على المطابقة بين تطلعات الأكراد الخاصة، وتوظيفات العالم، لهذه التطلعات، وفي السياسة، كل أمر ممكن. سوف نكتشف لاحقا أن أي سيناريو سوف يتحقق، سوف يلبي رغبات التخطيط الكبرى.

بعض المراقبين يرون في التحذيرات الأوروبية والأميركية، من الانفصال، وهي تحذيرات تم نقلها للأكراد، لا تنم عن عدم رغبة بالاعتراف بدولة للأكراد لاحقا، بقدر كونها تتبرأ مسبقا، من جنوح الأكراد، نحو الانفصال، لاعتبارات كثيرة، ولا يمكن أن نصدق أن نزوع الأكراد للانفصال بالقوة، اذا حدث لاحقا، لن يتسبب باعتراف دول العالم بالدولة الكردية، ضمن سياقات احتواء المشكلة، أو التطابق مع رغبات الشعب الكردي، أو توجيه ضربة اكبر للمشروع الإيراني في العراق.

في كل الحالات، تواجه حكومة بغداد ازمة خطيرة جدا، انفصال الأكراد سيؤدي إما الى حرب بحيث تتدخل بغداد عسكرياً في مناطق الأكراد، وهذا سيقود العراق الى وضع صعب جدا، له تداعيات أمنية وعسكرية، وكلف اقتصادية ودموية، وإما ستخضع بغداد لإرادة الأكراد، وهذا يعني تقسيم العراق، وتشظيته، مع الكلام، عن سيناريو لاحق، لانفصال السنة العراقيين، عن الدولة الحالية، في بعض مناطق بغداد وصولاً الى غرب العراق.

هذه فواتير تسببت بها ايران حصراً، لأن معالجة التمدد الإيراني في المنطقة والعراق ، حصراً، باعتباره بوابة الدخول الى بقية المنطقة العربية، معالجة ستخضع لوسائل مختلفة، من بينها الإرهاق الذي تواجهه بغداد اليوم، جراء المعركة مع الإرهاب، والإرهاق الأكبر المقبل على الطريق بخصوص الأكراد، الذين يريدون دولة قومية غير عربية.

لكنها سنية، ستؤدي أيضا الى نشوء دولة عراقية عربية سنية في مناطق غرب العراق، بحيث تحاط " بغداد الإيرانية" بحزامين شمالي وغربي، بسمات قومية مختلفة، كردية وعربية، ومن المذهب السني، وبحيث يتم قطع خطوط التمدد الإيراني الى كل المنطقة.

لكل ما سبق، لا احد يصدق الدعوات الأوروبية والأميركية للأكراد بالتراجع عن الانفصال. في كل الحالات سوف ينفصل الأكراد، سواء تم اجراء الاستفتاء، وإعلان الانفصال. أو تم اجراء الاستفتاء وعدم الانفصال فعلياً، مع تثبيت رغبة الأكراد بالانفصال. أو تم الخضوع لمبدأ الحوار السياسي، ما بين حكومة بغداد والأكراد، وهو مبدأ سوف يؤدي الى الانفصال نهاية المطاف.

لو خرجت ايران من العراق، وسحبت كل وجودها، وجففت نفوذها، لخضعت القضية الكردية الى معالجة مختلفة، لكننا نرى الآن، من يريد تحريك قضية الأكراد بهذا الشكل، من اجل طرق حكومة بغداد على رأسها، باعتبارها تمثل النفوذ الإيراني، وسنرى كيف أن الأكراد يحاولون توظيف هذه المعادلات، من اجل تحويل نزعتهم للاستقلال الى واقع، لكنها محاولة محفوفة بخطر التوظيف، والتقلبات السياسية، وما قد يستجد في المشهد من تغيرات على مستويات مختلفة.

 

Email