الحالمون في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك قصص كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية، فكما هو الحال في كل بلد غني، والغني ليس فقط في المال، بالتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يتحول دائماً إلى روايات مثيرة.

ووسط عدد من الروايات عالية الدراما، مثل الأزمة بين واشنطن وبيونغ يانغ، التي يوجد فيها احتمال الحرب النووية، أو إعصار «هارفي» الذي دمر مناطق في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة.

وما يرد طوال الوقت من حكايات حول الرئيس دونالد ترامب وعائلته في البيت الأبيض، فإن قصة «الحالمين» تبدو مثيرة، لأنها ذات طبيعة إنسانية، بجوار كل الاعتبارات الأخرى.

والقصة بدايتها أن ساكن البيت الأبيض، دخل الحملة الانتخابية الرئاسية ببرنامج شعبوي، يعتمد على رغبات ونزعات «القوميين البيض»، وأهم ما فيها، الموقف من المهاجرين بكافة أنواعهم، مع اعتبارات خاصة متشددة بالمهاجرين اللاتينيين من المكسيك وأميركا الجنوبية في عمومها. فهؤلاء الذين أتوا منها بطرق غير مشروعة عليهم الرحيل (12 مليوناً)، والمجرمون منهم عليهم أن يرحلوا فوراً.

ولكي توقف الهجرة، فإن الولايات المتحدة عليها بناء سور بامتداد الحدود الأميركية المكسيكية. كان هذا موقف ترامب، وبناء عليه، فاز في الانتخابات، ولكن السياسات مهما كانت شعبيتها، فإنها في الواقع تواجه بأمور لم يتوقعها أحد، أو لم يحسب حسابها أحد، أو باختصار، تجاهلها الجميع.

«الحالمون» هم باختصار المهاجرون إلى الولايات المتحدة، وأتوا إليها أطفالاً، إما لأن أسرهم هربتهم إلى الشمال، أو أنهم أتوا معها في هجرتهم غير المشروعة، ولكن، ولأنهم أطفال، فقد دخلوا نظام التعليم الأميركي، وشبوا عن الطوق يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وأكثر من ذلك، فإنهم تفوقوا علي أقرانهم من الأميركيين في مجالات عدة، في المقدم منها الإلكترونيات.

وكثير من الفنون، وبالطبع المهارة في كرة القدم. هؤلاء يقدر عددهم بـ 800 ألف نسمة. اسم «الحالمون» الذي أطلق عليهم، جاء من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي ربط بين هؤلاء الأطفال والحلم الأميركي في الغني والابتكار والإبداع، ولذا، طلب من الكونغرس تشريعاً ببرنامج خاص يؤهلهم لاكتساب الجنسية الأميركية، طالما أنهم لم يرتكبوا جرائم مشينة.

وقد كان، فقد أصدر الكونغرس تشريعاً عرف باسم «داكا DACA»، وهنا، أصبح ترامب في مواجهة اختبار صعب، فهو من ناحية، يريد، مخلصاً، تنفيذ وعوده الانتخابية، ولا يريد خسارة قاعدته الانتخابية بإلغاء البرنامج.

ولكن الرجل باعترافه متعاطف مع الأطفال، وفي الوقت نفسه، فإن الدنيا قامت ولم تقعد، فقد تحركت كبريات الشركات الأميركية، ومنها غوغل وآبل ومايكروسوفت وأمزون وغيرها، رافضة لإلغاء البرنامج، ومؤكدة على أن تنفيذه سوف يشكل خسارة صافية للولايات المتحدة.

ما سوف يحدث لهؤلاء «الحالمين»، سوف نتركه للسياسة الأميركية، ولكن ما يهمنا هو علاقة البشر بالفرصة التاريخية التي تتاح لهم. فربما كان أهم ما يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى، ليس فقط العقل الذي لدى بعض الكائنات بعض منه، وإنما الحلم، فلا يوجد في عالم القطط أو الأسود، ما يشير إلى أنهم يحلمون ويتخيلون ويتساءلون.

وكان هذا ما أتى على جماعة من البشر في طفولتهم، عندما تسربوا أو سربهم أهلهم وهم لم يشبوا عن الطوق بعد، إلى الولايات المتحدة، ليجدوا فيها أرضاً موعودة بالنسبة إلى الأرض والظروف التي جاؤوا منها. الفارق بين الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، أن لديها فرصاً كثيرة تتيحها المساحة الشاسعة للدولة، والأهم، أن هذه المساحة يجري استغلالها طولاً وعرضاً وعمقاً، وفضاء أيضاً.

هنا، فإن ما يميز إنساناً وآخر، هي الكيفية التي يجري بها استغلال هذا الموقف بالتعليم والتدريب والعمل الشاق، لكيلا يخلق فرصة عمل لنفسه فحسب، وإنما طالما أن الفرصة مواتية، وتحركها قوانين وتشريعات ولوائح وروح وثابة أميركية. وكان «الحالمون» من هذه الطائفة التي جاءت أطفالاً، ثم لم يعد بمقدور المجتمع الأميركي الاستغناء عنها.

 

Email