الإيجابية في التأملات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً من الحكم والأقوال نقرأها ونستشهد بها ويمكن أن ننقلها لغيرنا، غير أن المعنى الحقيقي للحكيم القائل «لأن تقرأ كتاباً ثلاث مرات خير لك من أن تقرأ ثلاثة كتب».

استطيع أن أجزم بيقين أني عشتها فعلاً لا قولاً خلال رحلتي بين صفحات كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،.

ولذلك أسباب عديدة منها أنك من الممكن أن تجد من يكتب أو يتحدث عن السعادة، وكذلك عن أهمية أن يكون للإنسان دور فاعل في محيطة، غير أن جهده في ذلك يتوقف عند التنظير أو ذكر القواعد والمحددات، أو عند المقولات المجردة أو المنمقة التي لا تحمل في طياتها تجربة، أو يقف خلفها شواهد دالة وآثار تنقلك إلى كيفية حدوث ذلك والطريق إليه.

وقد تجده، وهو المنظر لذلك، يصاب بالذعر عند أول تجربة يخفق فيها في حياته، ويصاب بالإحباط عند أهون التحديات، وتلك هي الإشكالية التي جعلت من الكلام عن أهمية الدور لم يأت بالكثير رغم النتائج المرجوة، غير أن الحالة مع كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» مختلف، ذلك لأنه أولاً يصدر عن قائد منظر، بمعنى أن ما يقوله يستطيع القارئ أن يبحث في كل كلمة كتبت سيجد لها شاهداً ودليلاً على أرض الواقع، وذلك لأن القادة لا يملكون رفاهية الحديث المرسل أو إطلاق الوعود، وهو الأمر الذي جعل قوة هذه التأملات تأتي من أنها جاءت بعد واقع، وسبق العمل فيها القول.

ولا يخلو لقاء لصاحب التأملات، مع إعلاميي العالم، من أسئلة متلاحقة عن سر تلك التجربة المتفردة في الإنجاز، فكانت رؤاه في السعادة والإيجابية تفسيراً وإجابة للعديد من التساؤلات، التي أراد لها في تقديري أن تحلق خارج أسوار المتسائلين من أصحاب الفكر، والباحثين عن العوامل المؤثرة في تقدم الأمم والشعوب، والأكاديميين، لتكون ملكاً عاماً للباحثين عن الطريق، وبخاصة الشباب منهم باعتبارهم مستقبل الأمم والشعوب، وبخاصة في منطقتنا العربية، ولتكون وثيقة ليست لشاهد على التنمية والبناء لكن منظر لها.

رؤية صاحب الكتاب غيرت شكل منطقة من العالم بل شارك فيها، حتى باتت آثارها ومظاهرها تخلب العقول في العالم من شرقه وغربه، كما أنها شهادة تؤكد أن الإمكانيات المادية هي والعدم سواء إذا لم تسند بفكر فذ، ورؤية واضحة، وعقل قادر على وضع خارطة عمل قادرة على الاستخدام الأمثل لها، وكذلك تحديد الأولويات في البناء، باعتبار أن كل مرحلة لها ما بعدها، والخلل في تحديد الأولويات نتائجه وخيمة، ومثله مثل العمل من دون تخطيط مسبق يهدر الوقت والجهد والمال، ثم قبل ذلك .

وبعد ذلك وأثناءه تأتي إرادة الفعل على الأرض وصلابة التصميم سياج حامي لتحويل الحلم إلى واقع. من خلال رحلة سموه في التأملات تستطيع أن تستشف أن الإيجابية أساسها يأتي من نظرتنا نحن لما حولنا وطريقة التعامل مع ما نراه، وأننا نتعامل مع الواقع من حولنا من خلال ما لدينا من تصورات وما مر بنا من خبرات، فالإيجابية فكر واتجاه ينعكس في السلوك، باعتبار أن الفكر أساس السلوك والسابق عليه. من هنا فإن الصحراء التي رأى البعض فيها أنها رمال، عندما سأل سموه كل واحد عن ماذا يرى في الفضاء الممتد أمامه في إحدى الجلسات.

وكانت عند أحسنهم إجابة أرض الآباء والأجداد، وهي بالفعل كذلك، لكن تلك الإجابات إما أنها وصفت واقعاً من دون خيال وهي رمال، والآخر نظر للتاريخ وهو يصفها وهي قيمة مهمة، لكن المستقبل كان الحاضر عندما وجههم سموه أنه يراها فرصة جديدة للتحدي والبناء وآفاق من البناء والتعمير.

هذا هو الفرق بين من وصفها وبين من اعتبرها إرثاً يجب الحفاظ عليه، غير أن الأهم كان الحفاظ عليها مع فتح الآفاق لتعميرها وبنائها، وأن تتحرك الماكينات، ويعرق الرجال ليتغير الواقع، وهنا حكمة الرؤية والدرس الذي يجب أن نعلمه للأجيال من نعومة أظفارهم. والشاهد قول سموه إن الصحراء لم تكن يوماً عقبة أو تحدياً ينبغي التغلب عليه في نظرنا بل كانت فرصة لخلق قطاع جديد في اقتصاد الدولة.

إن تجربة دولة الإمارات قامت منذ بدايتها على مبادئ إدارية وقيادية وإنسانية، أهمها التفاؤل بالمستقبل، وتوقع الأفضل، والثقة بالقدرات، والإيمان بالإمكانيات، والتوكل دائماً على رب السماوات، وأن التحديات والعقبات ليست نقطة نهاية بل فرصة لإبداع حلول جديدة، ولا شيء أسوأ من أن يهتز يقين القائد برؤيته ويتردد في عمله ويتشاءم من مستقبله، فطوبى لمن أسس وبنى، وطوبى لمن حافظ ونمى، وطوبى لمن أحب رمال الوطن.

 

Email