حباً لإسرائيل أم كرهاً للعرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان نيلسون مانديلا يقول: «يولد الإنسان وهو لا يحمل الكراهية لأحد، سواء لونه أو جنسه أو أصله أو عقيدته. وإنما يتعلم الناس الكراهية تعلماً من البيئة ومن الآخرين».. ويتابع مانديلا: «إذا كان من الممكن تعليم وتعلم الكراهية، فمن الممكن أيضاً أن يتعلم الناس المحبة لأن المحبة تأتي طبيعية وأقرب إلى قلب الإنسان».

كلام مانديلا، على عمقه وبساطته، يشكل أحد أسباب الانشقاق داخل الحركة الصهيونية الممتدة من أصغر مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة إلى أكبر مكتب في البيت الأبيض مروراً بعواصم عالمية لليهود تأثير السحر عليها.

مايكل شايبون هو أحد الكتاب اليهود الأبرز في الولايات المتحدة. اللقب «كاتب يهودي» يناسبه على نحو خاص: فهو يكثر من الكتابة عن اليهود، بدعابة استثنائية. أحد كتبه «اتحاد الشرطة اليهود» يروي قصة عن شرطة يهودية في دولة يهودية خيالية قامت في آلاسكا.

نشر شايبون وزوجته الكاتبة آييلت فيلدمان رسالة علنية بعنوان: إلى «أبناء شعبنا اليهود في الولايات المتحدة، إسرائيل وحول العالم». جاءت الرسالة في أعقاب المسيرة النازية الجديدة في شارلوتسفيل ورد فعل الرئيس ترامب على الأحداث التي أظهر فيها تضامناً ضمنياً مع العنصريين القوميين. مما أثار عاصفة احتجاج ضده ومطالبات بعزله.

تجدر الإشارة إلى أن القوميين نظموا مظاهرات احتجاجاً على قرار السلطات إزالة تمثال للجنرال روبرت، الذي قاد قوات الكونفدراليين أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة بين الشمال والجنوب في القرن التاسع عشر.

واعتبرت السلطات هذا التمثال رمزاً للعبودية والتمييز العنصري. يدعو الزوجان الكاتبان - حسب الكاتب ناحوم برنيغ- في صحيفة يديعوت احرونوت، اليهود ممن يحتلون مواقع رفيعة المستوى في إدارة ترامب إلى الاستقالة من مناصبهم، وافينكا وجارد ترامب إلى الابتعاد عن الأب والحما. والنصيحة التي يقدمانهما لافينكا قاسية على نحو خاص:

«اسمحي لنا أن نعلمك جملة قديمة ومناسبة قالتها أجيال الآباء والأبناء اليهود في أثناء الأزمات العائلية: «أنا سأجلس عليك سبعة».

جربي هذه الجملة على أبيكِ». يمكن الاختلاف مع مدى المشاعر التي يوظفها الكاتبان في الصراع ضد الأقوال المحرجة لترامب. لكن من الصعب الاختلاف على ادعائهما بأن يهوداً كثيرين، في إسرائيل وفي العالم، يعتقدون أن كراهية العرب تطهر كل مفسدة ـ ليس مهماً إذا كان الرجل أو المنظمة هي نازية جديدة، كوكلوكس كلان أو فاشي هنغاري، إذا كان يكره العرب فهو يصبح تلقائياً محباً لليهود ومؤيداً مخلصاً لدولة إسرائيل.

الإرهاب الإسلامي -حسب تعبير برنيغ- هزم في المعركة، ولكنه انتصر في الوعي. فقد سفك أنهاراً من الدم في العالم العربي، زرع الشقاق والخوف والكراهية ولم يحقق للإسلام إنجازاً واحداً، ولكنه حول الغرب إلى عنصري.

الأدق هو أنه رفع من جديد إلى السطح العنصرية، التي قمعت بعد هزيمة ألمانيا النازية. ترامب ليس عنصرياً؛ هو شعبوي جاهل يسير في أعقاب ناخبيه. الإرهاب جعل العنصرية نمطاً عادياً في الكيان الإسرائيلي، العنصرية تضخ في الشبكات الاجتماعية، في برامج الهذر في الإذاعة، في تصريحات السياسيين. الإسرائيليون يشاهدون أفلام الفيديو من شارلوتسفيل وآذانهم صماء عن سماع الأصوات التي تهتف «أيها اليهود إلى الخارج».

قلوبهم مع الرجل الأبيض الذي يؤمن بسمو عرقه، ليس مع الرجل الأسود أو الليبرالي اليهودي الذي يتظاهر أمامه. الأبيض هو يميني الأسود هو آخر؛ هو يساري؛ هو خائن. الموقف من «الآخر» أو من يسمونهم بـ«الأغيار» أي غير اليهود راسخ في العقل الصهيوني وأحد مرتكزات مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل.

السؤال الذي يطرحه اليهود الإسرائيليون على أنفسهم: ما الذي يُعرّفنا. هل الحب لإسرائيل يعرفنا أم تعرفنا الكراهية للعرب. تقرير «الاسكوا» لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا الأخير اتهم إسرائيل بتأسيس نظام فصل عنصري يهدف إلى تسلّط جماعة عرقية على أخرى.

وقدم أدلة ومعطيات تؤكد فرض إسرائيل نظام أبارتايد على الفلسطينيين وتقسيمهم إلى أربع فئات تخضع كل منها لترتيبات قانونية مختلفة. صدر التقرير يوم 15 مارس/‏آذار 2017، وبعد نشره بيومين طلبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة رسمياً سحبه.

وتعرضت الأمينة التنفيذية للإسكوا ريما خلف لضغوط من الأمين العام للأمم المتحدة من أجل سحب التقرير. وعلى خلفية ذلك قدمت ريما خلف استقالتها إلى الأمين العام للمنظمة الأممية، مؤكدة أنها لا تستطيع أن تخالف مبادئها الإنسانية وضميرها. آن الأوان للصهاينة أن يتعلموا درس مانديلا في المحبة بدل الكراهية التي تغرقهم في سواد العنصرية.

 

Email