أغراب القدس وغربانها

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت اسأل خالي: يا خال، كيف تسلل اليهود إلى فلسطين بلادكم، وكيف تمكنوا من اقامة بيوت واشتروا أراض وبيارات وبالنهاية سيطروا على البلد وطردوكم من بيوتكم وقراكم ومدنكم؟

ويقول: كان الناس البسطاء طيبين لا يعرفون ما يجري يتعاملون مع كل واحد يأتي إليهم ببساطة، لم يكونوا يدركون ماذا يعني وعد بلفور ولا مخطط هرتزل ابو الحركة الصهيونية. أما الكبار فبعضهم ثار ضد الإنجليز وبعضهم تعاون معهم واغلبهم عائلات كبيرة أصبحت ثرية حتى اليوم.

يسحب نفساً عميقا آخر من سيجارته ويقول: معظم الأراضي التي بيعت كانت تملكها عائلات ليست فلسطينية وكانت تمتلك مساحات شاسعة من ارض فلسطين. أما المشتري الأكبر فكان الصندوق القومي اليهودي للأراضي «كيرن كيمت» الذي نشط في فلسطين قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي.

لقد بلغ مجموع ما امتلكه الصهاينة من أرض فلسطين عشية الحرب العالمية الأولى 418 ألف دونم. وبلغ مجموع الأراضي التي امتلكها اليهود في سنة 1948 نحو 1734 ألف دونم وفي جميع الحالات لم تزد ملكية اليهود على 5,7% من أراضي فلسطين حين صدر قرار التقسيم في 29/‏11/‏1947.

ومع ذلك، من أين حصل اليهود على هذه المساحات الأكثر خصباً في فلسطين؟ لقد حصلوا عليها، عدا البائعين الفلسطينيين، من بعض أفراد العائلات اللبنانية والسورية (الأسماء موجودة في اغلب المراجع ومنها كتاب «رجل الجليل» يوسيف نحماني المولود في روسيا سنة 1891، وهاجر إلى فلسطين في سنة 1907.

والميدان الأبرز الذي برع فيه هو استملاك الأراضي لمصلحة «الصندوق القومي الإسرائيلي» كيرن كييمت، فعين مديراً لمكتب الصندوق في طبرية الذي كان نطاق عمله يشمل الجزء الشرقي من الجليل.

لم يتوقف بيع أراضي فلسطين حتى اليوم والقضية المثارة الآن هي تورط الكنيسة اليونانية في القضية. فقد كشفت القناة العبرية الثانية، تفاصيل جديدة عن صفقة سرية باعت بموجبها الكنيسة اليونانية، أراضي وقفية في أحياء غربي القدس المحتلة، لبلدية الاحتلال في المدينة.

وأشارت القناة إلى أن مجموعات شراء سرية، وظفت الملايين من يد ليد وعقد واحد ينقل ملكية الأحياء الأغلى في المدينة لأيدي شركات خاصة.

وبينت أن المعلومات «المفزعة» لسكان القدس انتشرت وخصوصا لـ1500 عائلة التي تسكنها وبعضها يسكن منذ عشرات السنوات في الأحياء القديمة في قلب المدينة، وأن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية باعت الأراضي التي بملكيتها لمجموعة مشترين.

تقول المعلومات إن ملكية الكنيسة لهذه الأراضي تعود للقرن التاسع عشر عندما اشترت في هذه الفترة مساحات شاسعة -4500 دونم- في مركز القدس، وباتت هذه الأملاك تتبع البطريركية اليونانية الأرثوذكسية التي أجّرت هذه الأراضي لسلطات الاحتلال (بعد احتلال 1948) لمدة 99 عاما مع إمكانية التجديد.

وطبقا للباحث المتخصص في تاريخ الكنيسة اليونانية وأوقافها أليف صباغ، فإن الكنيسة أبرمت عامي 1951 و1952 صفقتي بيع للصندوق القومي اليهودي، الأولى يسري مفعولها لمدة خمسين عاما والثانية لمدة مائة عام، ويعد العقد ملغى بعدها تعود ملكية الأراضي لبطريركية الروم بالقدس.

وأضاف أنه على مدار السنوات الماضية توالت محاولات الصندوق القومي اليهودي لإلغاء هذا البند عبر تجديد العقود.

مساعي الصندوق الحثيثة للحفاظ على الصفقة الأساسية بإلغاء هذا البند وتجديدها وصولا إلى إتمامها بالكامل -والتي منيت بالفشل خلال تسلم أسلاف البطريرك الحالي كيريوس ثيوفيلوس الثالث كرسي البطريركية- اتت أكلها عام 2011، عندما وقع ثيوفيلوس على بيع جميع حقوق الإيجار والاستئجار، وفق صباغ.

الناظرُ إلى حالِ مشرقنا العربي سيفهم أن الفوضى هي أصلُ الأحداث وغايتها، وأن الدول الكُبرى تَعدّ خرائط شيطانية لتقسيم المنطقة من خلال إحداث الفوضى والحروب وذلك خدمة كبرى لصُنعِ الاستقرار الذاتي لبعض الكيانات ومنها الكيان الصهيوني «ذلك السرطان الذي أوجدته بريطانيا وزرعته بيننا» وبذلك تكون قد قسّمت مشرقنا الذي هو أصل الحضارات ومنبع الرسالات.

 

 

Email