كلام عن الشعارات السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لنتحدث بصراحة، إذ إن كل الدول العربية، في مراحل سابقة، ممن رفعت شعارات سياسية، واجهت نتائج كارثية، والأدلة على هذا الاستخلاص كثيرة، ورأيناها في سوريا والعراق، ودول أخرى.

الدول التي تتعامى عن مشكلات مواطنيها، ولا يوجد لديها خطط اقتصادية، واجتماعية، لتحسين حياة الناس، تهرب باتجاه الشعار السياسي، وكل الأنظمة العربية الشمولية، في فترات سابقة، من الخمسينات حتى يومنا هذا، تورطت بالشعارات السياسية، لستر عيوبها، أمام مواطنيها حصراً.

كيف يمكن لأنظمة، أن ترفع شعارات سياسية، اكبر من قدراتها، وتتغطى بعناوين قومية وحزبية، وتحشد الجمهور وراء هذه الشعارات، ثم تتوقع أن تنتصر هذه الشعارات، وفي بعض الدول التي لجأت لهذا الأنموذج، نجد أن الأمية مرتفعة، والخدمات الصحية غائبة، ولا مشاريع تنموية، ولا أفق في المستقبل.

أغلب هذه الأنظمة، سقط، والمشكلة، أن أغلب المحللين يسمعونك كلاماً كثيراً، بشأن ما تعرضت له هذه الأنظمة، مما يعتبرونه مؤامرات، لإفساد مشاريع هذه الأنظمة السياسية، والكلام على صحته جزئياً، إلا أنه لا ينفي في الأساس، أن إشغال الناس بشعارات سياسية، غير قابلة للتطبيق، وغير منطقية، أمام معادلات العالم، وترسيمات القوى فيه، إشغال لن يصمد طويلاً.

في عهود الانقلابات وما بعدها في سوريا والعراق، مثلاً، لم يكن ممكناً، لشعارات تبدأ بتحرير فلسطين، ومواجهة إسرائيل، وغير ذلك من شعارات، أن تصمد، على أساس بيئة داخلية هشة جداً، فلا عدالة ولا قانون، والمظالم تعصف بالأفراد والجماعات، وكل هؤلاء لا ينالون أبسط حقوقهم الإنسانية، ومن الطبيعي جدا، أن يتخلى الجمهور عن هذه الأنظمة، ويتركها لمصيرها، إذ لا سبب منطقياً للدفاع عن أنظمة، تستثمر هذه الشعارات، لإدارة الداخل، وإرهاقه فوق إرهاقاته الاجتماعية والاقتصادية.

لقد آن الأوان أن يتبنى العرب رؤية واقعية، تجاه حياتهم، بدلاً من هذا الانتحار القومي، وعلينا أن نتأمل لعنة الشعارات السياسية، التي ترفعها أيضا، بعض الجماعات والأحزاب والتنظيمات، وكيف أصبحت بديلاً عن الأنظمة البائدة، في إهلاك المنطقة، تحت عناوين مختلفة، وشعارات براقة، تجتذب الضعفاء ومن يصدقون أن هذه الشعارات السياسية المغطاة أحياناً بالدين، قابلة للتسييل في هذا الزمن؟

تبددت موارد كثيرة في عالمنا العربي، آلاف المليارات، أو أقل قليلاً، على يد أنظمة شمولية سابقة، ضحت بشعوبها، واستقرار هذه الشعوب، تحت مظلة شعارات لم تكن في الأساس حقيقية، والسبب بسيط، لأن هذه الأنظمة، أرادت عبر هذه الشعارات، إحكام سيطرتها على الداخل، وتبرير غياب التنمية والحياة، وبدلاً من منح شعوبها حقوقهم في الحياة، من تعليم وصحة وفرص عمل، أهلكتهم بشكل جماعي، تحت عناوين غير قابلة للتطبيق أساساً.

ما نلاحظه اليوم، كما أشرت، في فقرة سابقة، أن لعنة الشعارات السياسية، لم تعد حكراً على هذه النماذج من الدول، بل امتدت اليوم، بشكل أوسع، إلى الأحزاب والجماعات المتطرفة، والمفارقة أن من يصل إلى السلطة، عبر الانتخابات، من بعض أنواع هذه الجماعات، يصطدم بالواقع، وتعقيدات المعادلات الدولية، ويرى الناس بأم أعينهم، استحالة تطبيق الشعارات السياسية وتحويلها إلى واقع.

لا يمكن لأمة أن تنهض، مادامت بنيتها التحتية هشة وضعيفة وممزقة، وهذا يعني انه آن الأوان، أن نعيد التموضع بشأن حياتنا كعرب، عبر التركيز على بنية الإنسان العربي، وحياته وتأهيله، وجعله قادراً على مواجهة كثير من الظروف، وأن تكون التنمية والخلاص من بلاءات كثيرة، أولوية أولى، وأبرز هذه البلاءات، ما نراه من أمية وجهل وتجهيل والحرمان من الحقوق الصحية، وغياب فرص العمل، وغياب القانون والعدالة، وتفشي الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية، وغيرها من صراعات.

لو أردنا اللجوء إلى مؤسسة دولية حيادية، لتحليل كلفة الشعارات السياسية، التي تبنتها الأنظمة البائدة، تحديداً، وما تلاها، وكلفة ذات الشعارات التي تبنتها أحزاب وجماعات وتنظيمات، لاكتشفنا بكل بساطة أن الخسائر الاقتصادية، والاجتماعية، وتلك الخسائر التي ستترك آثاراً طويلة الأمد، على بنية بعض الشعوب، خسائر لا يمكن حسبانها، فقد أضاع كثرة من العرب مستقبلهم، لحوقاً بسراب التغيير اتكاء على بنى داخلية ضعيفة جداً، وهشة، وغير قابلة في الأساس لحمل هذه الشعارات، إن صدق أصحابها أساساً.

تستغرب فقط، أن بعض العرب مازالوا يصدقون الشعارات السياسية، التي يطلقها البعض، والأدهى والأمر، انهم يتعلقون بمن يرونهم منقذين ومخلصين، من عواصم إقليمية، لها أطماعها، وبدلاً من أن يصحو هؤلاء، يواصلون ذات الانشغال ببريق الشعار السياسي، فيما كل بنية بلادهم مدمرة على كل المستويات.

تكاد تقول لهم، إن لا مستقبل لكل هذا اللغو، ما دامت الشعارات مجرد مصيدة فقط، ولا تتطابق مع معادلة القوى في العالم، وقد باتت مجرد تعمية مؤقتة، عما هو أهم، أي حق الناس بالحياة الكريمة، كما هي بقية الأمم، التي أدركت أن الإنسان، يأتي أولاً، ولا أولوية سواه في كل خططها.

 

 

Email