بين قُبلتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم الفرق الشاسع بينهما، إلا أن صورة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو يقبل رأس فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، دعتني إلى استحضار صورة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو يقبل رأس شيخ الفتنة يوسف القرضاوي.

وتأمل الفرق بين توقير واحترام رموز الاعتدال ونبذ التطرف والغلو، وبين احتضان وإيواء غلاة المتطرفين الذين يدعون إلى العنف والقتل وإراقة الدماء، ويبيحون العمليات الانتحارية، ويبررونها لمن يقدم عليها، ويحمِّلون أنفسهم مسؤولية سفك دماء البشر أمام الله والناس أجمعين دون خوف أو خجل.

هذه ليست مجاملة لشيخ الأزهر الطيب، ولا هي ادعاءات وافتراءات على شيخ الفتنة القرضاوي، فأقوال وأفعال الرجلين ليست سرية، وأفكارهما مدونة في كتب مطبوعة، ومواقفهما مصورة ومسجلة في موقع اليوتيوب على الشبكة العنكبوتية، ومتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي كافة.

وكل من يقول إن هذا الكلام يفتقر إلى دليل أو برهان فهو مراوغ أو مكابر لا يريد الاعتراف بالحقيقة، أو يريد الالتفاف على الحقائق من أجل غرض خبيث، أو انتماء لتنظيم أو جماعة يخشى أن يفتكا به إذا حاد عن طريقهما أو خالف قوانينهما.

في لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشيخ الأزهر، أكد سموه حرص دولة الإمارات على دعم القضايا التي تخدم الإسلام والمسلمين، ونوّه بمواصلة تعزيز التعاون مع الدول العربية الشقيقة والإسلامية، والتنسيق معها بشأن خدمة الأماكن الإسلامية المقدسة، وتقديم الدعم لها.

والعمل مع الهيئات والمراكز الإسلامية على إبراز المبادئ السمحة، والقيم النبيلة في الخير والعطاء والعدل والسلام والتعايش التي يدعو إليها ديننا الحنيف، والتصدي لدعاة الأفكار الهدامة والمتطرفة والأفعال الإجرامية التي اتخذت من الإسلام شعارا لها لأهداف خبيثة لا تريد الخير للمنطقة وشعوبها.

هذه هي المبادئ والأفكار المشتركة بين قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة ومشيخة الأزهر الشريف، التي أعدت مشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، يهدف إلى الحفاظ على نسيج المجتمع المصري وروابطه، وقيم الإخاء والتسامح والتعايش السلمي بين أصحاب الديانات المختلفة.

وإعلاء مبادئ المواطنة والمساواة أمام القانون، وحرية العقيدة، وحسن النية، وقبول الآخر، واحترام الاختلاف بين العقائد، واحترام المؤمنين بها، وعدم اتخاذها مادة للتمييز أو الإساءة أو السخرية، ووقاية المجتمع من محاولات غرس مفاهيم مغلوطة قد تباعد بين أفراده، وتمس حقائق دينهم بما يثير الكراهية.

ويجرّم طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلني في وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف، ويلزم المؤسسات التعليمية بنشر ثقافة التسامح والإخاء واحترام عقيدة الآخر، ونبذ الكراهية والعنف والتعصب والتمييز على أساس الدين، ويلزم المؤسسات الإعلامية بحماية هذه المبادئ وعدم الخروج عليها.

هذه المبادئ والأفكار هي نفسها التي نص عليها قانون مكافحة التمييز والكراهية الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عام 2015، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة.

ونبذ خطاب الكراهية عبر وسائل وطرق التعبير المختلفة، ويحظر الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة، والتمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني.

ويجرِّم كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أوالنعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات من خلال نشره على شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أوالمواقع الإلكترونية أو المواد الصناعية أو وسائل تقنية المعلومات، أو أية وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية، بمختلف طرق التعبير كالقول أوالكتابة أو الرسم.

هذه المبادئ والأفكار تتناقض معها تماما المبادئ والأفكار التي يحملها ويدعو إليها شيخ الفتنة يوسف القرضاوي، والتي بناء عليها أصدر دعواته وفتاواه من فوق المنابر وعبر قناة "الجزيرة" القطرية، وحض فيها على القتل والعنف، ومنها دعوته إلى إطلاق الرصاص على الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وقتله.

وتحريضه على قتل أفراد الجيش المصري، وفتواه بجواز تفجير الانتحاريين لأنفسهم وسط المدنيين بتوجيه من الجماعة التي يُفهَم من سياق الحديث أنها جماعة "الإخوان المسلمين" التي هو مفتيها، لأن هذه الجماعة، مثل كل الجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام كذباً، لا تعترف بجماعة غيرها، وتحتكر الدين لنفسها فقط، وتكفِّر الحكومات والجماعات الأخرى، بل إنها تكفِّر المجتمع كله وتدعو إلى محاربته.

لذلك فإننا حين نقول إن هناك فرقا شاسعا بين القُبلتين اللتين شاهدنا صورهما في وسائل الإعلام وقنوات التواصل المختلفة، فإننا لا نتجاوز الحقيقة، فهذا الفرق يتضح من الأفكار التي يحملها الرأسان اللذان يتم تقبيلهما، حيث يحمل أحدهما فكراً إسلامياً معتدلاً، هو الطريق الوحيد لنجاة الأمة من المحنة التي تمر بها.

بينما يحمل الرأس الآخر فكراً متطرفاً لا يمت للإسلام بصلة، هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من صراع ودمار وخراب، تماما مثلما يتضح الفرق بين من يرعى الإرهاب والتطرف، ويقدم لأصحابه كل أشكال العون والمساندة، وبين من يحاربه بكل ما أوتي من قوة، ويسعى إلى تجفيف منابعه، وسد الطريق على الذين يريدون إشاعته ونشره في كل مكان.

 

 

Email