التعامل مع قوى الأمر الواقع في حلب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أربع سنوات من اليوم، مثُل السوري المدعو أبو الزين من بلدة القطبية بمحافظة حلب أمام المحكمة العامة للشرطة الثورية في بلدة دير حافر لخيانة أبناء عمه.

واتهم ابنا عمه سعيد وإبراهيم عبد الغفور بشتم «الجيش السوري الحر»، لا سيما وحدة متمردي المعارضة التي يتزعمها أبو الزين نفسه.

وجاء في الشهادة التي أدلى بها أمام المحكمة قوله: «تقدمت بشكوى للمحكمة للتحقيق فيها، وفوجئت بإطلاق سراحهما في اليوم التالي، علماً بأنهما يشتمان على الدوام الجيش الحر، لذا أهيب بمحكمتكم التحقيق معهما وإخضاعهما للمحاسبة وتحميلهما مسؤولية كل ما تفوها به».

وكان ما يدعى بالجيش السوري الحر، وهو عبارة عن مجموعة من المليشيا تضم منشقين من الجيش السوري النظامي، قد أحكم السيطرة في منتصف صيف 2012، بدعم وتسليح من دول الغرب على أجزاء واسعة من محافظة حلب. وأرسى نظاماً خاصاً به من المحاكم وأجهزة الشرطة، إلا أنه وفي غضون بضعة أشهر سيطر مقاتلو «داعش» على مساحات كبيرة من سوريا، بما في ذلك دير حافر.

وامتد حكم داعش الذي فرضوه حتى عاصمتهم المزعومة في الرقة، وسرعان ما شملت حيزاً من مدينة حلب الشرقية، إلا أن الشهر الفائت شهد دحر قوات «داعش»، أخيراً، من محافظة حلب على يد قوات الجيش السوري وبمؤازرة قصف الطيران الروسي،

لكن كيف نجا المواطنون السوريون القاطنون في تلك المناطق الواسعة في ظل قيادتهم الثورية الجديدة؟ هل قاوموا؟ هل تعاونوا؟ أم أنهم ساعدوا في دفع عجلة الأمور؟ ذلك أنه في اللحظة التي تتقبل فيها القوانين والمحاكم القضائية لأي سلطة جديدة فإنك تمنحها الشرعية.

ولم تتورط إلا حفنة قليلة من أبناء دير حافر في أعمال التجسس لصالح الحكومة السورية وقد دفعوا الثمن. وشهدت في يوم «تحرير» البلدة بأم العين أعمدة الصلب الحديدية تنتصب خارج جدران المحكمة الإسلامية المطلية بالسواد.

وتحدثت إلى شخص قتل شقيقه برصاصة في الرأس لمجرد أنه كان يرفع العلم السوري على سطح منزله، غير أني وجدت على أرض دار المحكمة مئات الملفات المصورة والمكتوبة بخط اليد، وتضمن أحدها اتهاماً لرجل اعتدى على مقاتل داعشي وحكم عليه بالموت على الأرجح بتهمة «خرق شريعة الله».

لم تكن معظم الملفات التي تمكنت من حشرها داخل حقيبة الكاميرا خاصتي مكتملة، وخلت معظمها من التاريخ، إلا أن مضمونها يرسم بوضوح صورة حية عن حالة الفقر والإحباط والاقتتال العائلي، وعن السرقات البسيطة وأعمال العنف، التي سادت في ظل الحكم الداعشي والعلماني خلال فترة الحرب الأهلية السورية.

ومن اللافت الإشارة إلى أنه حتى في ظل وقوع دير حافر تحت سيطرة «الجيش السوري الحر»، الممول والمسلح من الولايات المتحدة والغرب، كانت المحاكم الإسلامية موجودة، فحين دخلت البلدة مع القوات السورية هذا العام، كانت ملفات الجيش السوري الحر من ضمن تلك التي تعود لـ«داعش»، كما عثرت على أكوام من المجلات الإسلامية داخل مستشفى ميداني للتنظيم تحت معبر الطريق السريع، حيث يبدو أن «الجيش الحر» والمليشيات كانوا يتعاونون بحرية في بعض الأحيان.

واتسم عدد من الحالات المقدمة للمحكمة بأنه كان مثيراً للشفقة، وكشف إحداها عن قصة امرأة وصفت بأنها الزوجة الأولى لمحمود علوش، البالغ من العمر 32 عاماً من قرية المعزة قالت فيها: «منذ عامين وأنا وزوجي لا نتوقف عن المشاجرة، حيث يقوم بضربي على الدوام، وقد تزوج من امرأة ثانية وهجرني وأذلني، وتعاركنا وأخبرته أنني لا أستطيع أن أتحمل العيش تحت سقف واحد مع زوجته الثانية».

وتضمنت بعض القضايا الأخرى. ووصف صاحب متجر يدعى موسى الحسون كيف سرق راغب العلي مجموعة من الموازين الإلكترونية من متجره وكيف طارده على دراجته النارية.

وأوقف العلي وتعرض للضرب على يد عدد من الجيران. وفتح دعوى بالموضوع حيث عرضته المحكمة القضية على مجموعة من القضاة لأنه «تجاوز الخطوط الحمراء المقدسة»، في حكم يجمع بين الشريعة والكليشيه الأميركي الأشهر في جملة واحدة!

ويظهر ذلك وجود تعاون وتنسيق بين أبناء قرى حلب مع أسيادهم المتشددين في محيط منطقة دير حافر، فهل تعتبر هذه جريمة؟ أم كانت بدافع الضرورة؟ ومن كان يسعهم اللجوء إليه لتحقيق «العدالة» في ظل غياب محاكم النظام؟ وشهد يوم إعادة سيطرة قوات النظام السورية على البلدة في نهاية مارس الماضي، قيام مواطني 27 قرية في منطقة دير حافر بإرسال عريضة للجيش يطالبون فيها بحصول «مصالحة». وبالفعل أرسل الجيش الطلب لحكومة دمشق، لكن الردّ لم يعرف بعد.

 

 

Email