الملف السوري بين واشنطن وموسكو

ت + ت - الحجم الطبيعي

اللقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي في هامبورغ على هامش مؤتمر العشرين في السابع والثامن من يوليو الجاري، والتصريحات الإيجابية التي صدرت عن الطرفين حول نجاح التنسيق في ما يتعلق بالأزمة السورية، وصولاً لإيجاد حل لها، أعاد إلى الأجواء الحديث الذي كان يدور منذ زمن عن مدى قدرة المشاريع التوسعية الإيرانية في المنطقة على الصمود أمام التغيرات التي طرأت على موازين القوى في سوريا بعد دخول روسيا ثم تركيا ثم الولايات المتحدة ساحاتها، وزيادة التعقيدات السياسية والعسكرية أمام إيران في التعامل مع قوى فرضت نفسها بحضور رسمي، وليس بحضور مليشياوي من جنسيات أخرى.

تتويجاً لهذا اللقاء، وتزامناً معه، وقعت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقاً في السابع من يوليو الجاري لوقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا، الاتفاق تضمن إنشاء منطقة آمنة تشمل درعا والقنيطرة والجولان على الحدود الأردنية، لا يسمح فيها بوجود لقوات النظام أو المليشيات الإيرانية، وهو نجاح يمهد السبيل لتنسيق آخر مقترح في منطقة أخرى من سوريا.

في سياق هذا التنسيق، وتعزيزاً لمسار جديد ترسمه الإدارة الأميركية الجديدة لمقاربة الملف السوري، يأتي قرار الرئيس الأميركي ترامب بإنهاء برنامج وكالة المخابرات المركزية الخاص بتدريب وتسليح المعارضة السورية الذي وضع عام 2013.

القرار هذا يضع حداً لسياسات أميركية مترددة غير واضحة وغير حاسمة، انتهجتها إدارة سلفه أوباما.القرار هو اعتراف بمحدودية الدور الأميركي في سوريا، الذي جاء متأخراً وفاقداً للقدرة على أخذ زمام المبادرة التي انتزعتها روسيا بسياستها الاقتحامية، وهو إقرار بعدم جدوى الرهان على المعارضة السورية، بعد أن خسرت مدينة حلب.

إلا أن قراءة المشهد من زاوية أخرى، يلقي الضوء على حقيقة أن الولايات المتحدة لا ترى ضيراً في الحضور الروسي القوي في سوريا، فهذا البلد منذ عشرات السنين، لم يكن ضمن اهتماماتها.

الولايات المتحدة قد تخلت كلياً عن دورها في سوريا، فلها بكل تأكيد ما تقوله في هذا الشأن، فهي قد ربطت عدم الاستقرار في سوريا بوجود المليشيات الأجنبية، وطالبت في أكثر من مناسبة بضرورة خروجها جميعاً، كما أنها لم تخفِ نظرتها غير الودية للرئيس الأسد، وهو ما ورد أكثر من مرة على لسان الرئيس الأميركي.

مع أن التنسيق بين موسكو وواشنطن حول الشأن السوري، اقتصر على المستويات العسكرية، لمنع وقوع تصادم جوي أو بري بينهما، إلا أن ذلك لا يخفي البعد السياسي الهام لهذا التنسيق في عهد الرئيس ترامب، وهو ما يقلق أطرافاً عديدة، كان لها دور خلال سنوات الحرب السورية بدعم هذا الطرف أو ذاك، وفي مقدمهم تركيا وإيران.

كما أنه لم يلقَ ترحيباً من قبل المعارضة السورية، التي اعتبرته في صالح النظام، لأنه لا يشمل جميع المناطق في سوريا، مبدية في الوقت نفسه بعض المخاوف من مساعي تهميشها، لأن هذا التوافق قد يصبح حجر الأساس لإنهاء الأزمة السورية بعيداً عن جنيف وعن الآستانة، حيث لها فيهما منصة لتقول رأيها.

إيران من جانبها، لم تخفِ قلقها من التقارب الروسي الأميركي، فقد أعلنت أن هذا الاتفاق لا يعنيها، إذ ليس لديها ما تقوله، فهي قد باتت على قناعة بأن بقاء نفوذها في سوريا ليس غير مسألة وقت، وأن روسيا لم تعد تخفي أن تنسيقها مع تركيا ومع الولايات المتحدة، هو المخرج لعدم التورط بحرب استنزاف، لا يستطيع اقتصادها تحمله لفترة طويلة، فموسكو حريصة جداً على التوافق لا التعارض مع واشنطن.

تركيا لن تبتعد عن الساحة السورية، ولن تتراجع تأثيراتها فيها، فهي ستجد لها مكاناً تلعب فيه بقوة، متحدية الإرادة الأميركية، وهو شمالي سوريا، حيث يقبع الخطر الكردي الذي تتصوره الأبرز على أمنها القومي، وليس في أجندة الولايات المتحدة أو روسيا ما يشير إلى رغبتهما في إخراجها في الأمد القريب.

فوجودها ليس وجوداً مليشياوياً، في حين لن تجد إيران مكاناً تلعب فيه، إذ ليس لديها ما تبرر وجودها أو وجود مليشياتها في الأراضي السورية، خاصة أن خطوط التواصل مع حزب الله في لبنان، توشك أن تغلق.

 

 

Email