صبر الفلسطينيين وغيرهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الصبر في العرف الاجتماعي أمراً محموداً، فالصبر على البلوى نوع من الثبات والتحمل للحفاظ على الذات من الانهيار النفسي والجسدي، وهذا أمر ينطبق على الفرد كما ينطبق على الجماعة.

غير أن الصبر في المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كوسيلة من وسائل مواجهة المشكلات ذات الطبيعة الآنفة الذكر، ذو نتائج متنوعة، وفقاً لطبيعة الصبر ونوعه وأهدافه.

فالدولة التي تتبع سياسة اقتصادية جديدة، والتي من شأنها إنجاز تنمية تخرج الاقتصاد من أزمة عميقة، وتطلب من الناس صبراً في تحمل المرحلة الانتقالية، فإنها عملياً تطلب صبراً مؤقتاً، ريثما يتم إنجاز هذه السياسة.

ولكن تخيل أن يُطلب من المجتمع الصبر على الفاقة والفقر دون أي وعد عملي بالتجاوز، ودون سياسة ومشروع اقتصادي، فهذا يعني جعل الصبر نوعاً من العبث، فالصبر بلا أمل بالخلاص، ذو نتائج عنفية غير محدودة.

لك أيها القارئ العزيز أن تتخيل صبر الفلسطيني على بلوى الاحتلال طمعاً في حلٍ يأتيه من الخارج، أميركا أساساً.

لقد وضع الفلسطيني أمله في حلٍ ينجزه الضغط الأميركي على إسرائيل بعد اتفاق أوسلو ١٩٩١، وها قد مضى ربع قرن تقريباً على هذا الاتفاق، والسلطة الفلسطينية صابرة في انتظار الفرج. صبر كهذا، هو صبر العاجزين.

إذا أضفت إلى صبر العاجزين هذا، مهزلة حكم حماس لغزة الحارسة لحدود إسرائيل مع غزة، أدركت حجم الكارثة الوجودية التي يعيشها الفلسطيني، والتي لا أحد يدري أوان انفجارها.

تأمل معي أيضاً وضع هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل بعد حرب يونيو ١٩٦٧، وما زالت محتلة منذ ذلك التاريخ، والسلطة هناك لا تجد وسيلة سلمية أو عسكرية أو سلمية - عسكرية معاً، لاسترجاع أرض وطنية، ما زال أهله يسمون بالنازحين في سوريا، متذرعة بالصبر إلى حين توافر الشروط لاستعادة الجولان السليب، دون أي تخطيط مستقبلي لذلك.

هذا نوع من الصبر العاجز الماكر، الذي يخشى من خسران أداة حكمه العسكرية.

الصبر الماكر، هو نوع من الخنوع حفاظاً عَلى مصلحة ما من الفقدان، وموقف أيديولوجي يجمل القبح اللا أخلاقي في التعامل مع المسائل الوطنية.

من أخطر أنواع الصبر، صبر بعض الجماعات المحكومة على بعض حكوماتها الجائرة، الذي إن طال الزمان في حكمها الجائر والنَّاس في صبر على ذلك بعد أن ظنت أنها تجاوزت مرحلة الخطر، فتزداد صلفاً وفقدان حياءٍ وجوراً.

لا يدرون أن البشر يصلون لمرحلة لا يعودون معها أن يطيقوا صبراً، فيكون الانفجار مدمراً، هيهات للزمن أن يتجاوز آثاره.

صبر الشعوب في الغالب، هو صبر كظم الغيظ وتحمل الألم، ولكنه صبر يعتمل في النفس قهراً وتربصاً، لاختيار لحظة التحرر من الصبر الممض.

إذا كانت العرب قد اشتقت معاني الصبر المعنوية من ثمرة الصبر ذي المرارة العالية، أدركنا مرارة تحمل الصبر ودرجات المرارة، وفقاً لما نحن صابرون عليه.

ليس لأحد أن يتوقع بدقة زمن انفجار صبر المجتمعات، ولا الطريقة التي يعبر عنها، وبخاصة في البلدان التي لم تعِش بعد طرق التعبيرات الحرية التي يضمنها القانون الديمقراطي.

هذه المجتمعات لا تعلن أن صبرها قد نفد، وأنها على وشك أن تنفجر.

بل يصدق عليها قول ماو تسي تونغ: رب شرارة واحدة، أشعلت النار في السهل كله.

Email