حرب مفتوحة على «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاقت هزيمة تنظيم داعش في الموصل، استحساناً كبيراً وارتياحاً لدى العديد من الدول والأفراد، وهي خطوة طال انتظارها لمدة ثلاث سنوات، منذ الإعلان عن المشروع الإرهابي لأبي بكر البغدادي زعيم التنظيم.

يضاف إلى ذلك، قرب هزيمة التنظيم في الرقة، وبهذا ينتهي التنظيم وشبكاته في تلك المنطقة، ولكن هل هذا يعني نهايته وطي صفحة الماضي واختفاء كلمة داعش من قاموس السياسة الدولية؟.

استخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لامداده بالتمويل والإرهابيين، ورسم صورته أمام العالم كله، فهل خسارة التنظيم للموصل، وقريباً الرقة، يعني أن التنظيم انتهى؟.

التنظيم يوجد في مناطق أخرى، مثل ليبيا وسيناء بمصر، وفي بعض دول آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، متمثلاً في تنظيمات أعلنت الولاء له، وأفراد يؤمنون بأيدولوجيته.

سيكون التركيز أكبر على التنظيم في الفضاء الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الأفراد ونشر رسالته، والتحفيز والتخطيط لعمليات إرهابية في بقاع مختلفة من الأرض، لا سيما في الدول التي شاركت في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضده. إن تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية، تفيد بوجود الآلاف من العناصر المتطرفة في البلدان الأوروبية، لا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا.

أود التأكيد على أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هي شريان الحياة لتنظيم داعش، وهي التي تؤجل نهايته، وتبقي عليه في عقول الآلاف من المضللين في العالم الإسلامي والبلدان الغربية، لا سيما أوروبا والولايات المتحدة.

نجحت جهود مكافحة التطرف والإرهاب في تجفيف عدة منابع لتمويل الإرهاب، وكذلك القضاء اللوجستي على تنظيم داعش في الموصل، وقريباً في الرقة، ولكنها لم تنجح حتى الآن في تجفيف منبع الإنترنت الذي يحافظ على بقاء داعش.

في الوقت الراهن، هناك خياران في جهود مكافحة التطرف والإرهاب إزاء ملف الفضاء الإلكتروني، إما الإغلاق والتضييق وإغلاق الصفحات وإجبار شركات التواصل الاجتماعي لفك تشفير رسائل الواتس وغيرها، أو بناء خطاب مضاد للتطرف والإرهاب، يدحض كل حجج التيار المتطرف.

وضعت حكومات بعض الدول الأوروبية ضغوطاً على شركات التواصل الاجتماعي للتضييق علي تنظيم داعش وغيره من التيارات المتطرفة، ولكن تلك الجهود لم تنجح في تحقيق الكثير.

مثلاً، قامت شركات مايكروسوفت ويوتيوب وفيسبوك وتويتر، بإنشاء «منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب»، من أجل إزالة المحتوى المتطرف، وخلق خطاب مضاد للخطاب الجهادي، إلا أن تلك الجهود محدودة، لأن عدد الأفراد الذين ينفذون خطط المنتدي ليسوا كافين لتحقيق تلك الأهداف، كما أن جهود التضييق تواجه صعوبات جمة. من هنا، خيار التضييق والرقابة له محدوديته.

وإذا انتقلنا إلى الخيار الثاني، وهو مواجهة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل، عبر وضع خطاب يدحض الخطاب المتطرف لداعش، فهو مهم ايضا. يضاف إلى ذلك بعض القضايا التي يستغلها تنظيم داعش في التجنيد، وهي مظالم بعض الشعوب في الشرق الأوسط وأوروبا.

ومن هنا، فإن المسألة معقدة لتعدد العوامل التي يستغلها داعش، ليضمن استمرار الفصل الأخير من قصته التي، لا يمكن أن تنتهي بدون التعامل مع تلك الإشكاليات المذكورة آنفاً، وتتطلب حلولاً خلاقة وجرئية في إطار منظومة متكاملة. في النهاية، قد يكون القضاء على داعش في الموصل، وبعد فترة وجيزة في الرقة، ضربة موجعة للتنظيم، ولكنها ليست كافية لإنهائه، فهناك حاجة للتحرك بسرعة من خلال إزالة المحفزات التي تدفع البعض ليقوموا بأعمال إرهابية.

يجب أن تكون هناك براغماتية في التعامل، وإرادة قوية، لا سيما من قبل المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي، للتعامل مع داعش وأخواته، والتحرك عبر منظومة متكاملة، تشمل الأمن والتعليم والإعلام والدين.

Email