نكسة الرباعية الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في أحدث بيانات اللجنة الدولية الرباعية الخاصة بمتابعة عملية السلام في الشرق الأوسط أنها «.. قلقة جداً من الوضع الإنساني الآخذ بالتدهور في قطاع غزة..».

كان اللافت أن اجتماع اللجنة، الذي عقد في 13 يوليو الجاري، قد خصص معظم مداولاته حول كيفية معالجة أزمات القطاع الداخلية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء.

هذا يعني أن اللجنة، المكونة من ممثلي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهى قوى الحل والعقد في عالمنا والمتربعة على قمة النظام الدولي، لم تجد ما تنظر فيه، سوى جزئية محدودة في ملف له أول، ولا يعرف له آخر.

الأكثر إثارة للحفيظة أنه حتى في إطار هذه المداخلة المبتسرة، ذهب المجتمعون إلى أنهم اتفقوا على «..الالتقاء مرة أخرى لمواصلة الاتصالات مع الإسرائيليين والفلسطينيين وجهات مركزية بالمنطقة لحل الأزمة..».

إجمالاً ليس هذا هو الدور المنوط باللجنة، لكنها تقزمت بفعل افتقاد الرغبة في ممارسة دورها الحقيقي، وهو صنع السلام وحل الدولتين، الذي ينقل الحالة الفلسطينية، بما فيها اقتصاد غزة، بعيداً كلياً عن مربع العجز أو التعجيز الراهن.

الرباعية بمقاربتها السطحية القائمة الآن، تذكرنا بحال الأمناء العامين للأمم المتحدة، الذين أدمنوا التعبير عن القلق، ومع ذلك، لا مجال للاقتناع هنا بنظرية العدوى، لأن الأخيرين لا يملكون الصلاحيات ولا أدوات القوة اللازمة للانتقال من المراقبة ولفت النظر للقضايا الساخنة عن بعد، إلى التدخل الفاعل وتطبيق القوانين والشرائع والقرارات ذات الصلة.

منذ أن قدم توني بلير استقالته كممثل للرباعية قبل عامين، لم تعين اللجنة خليفة له، وقيل بالخصوص إنه سيكون آخر من شغل هذا المنصب.

كان بلير نموذجاً أميناً للدبلوماسية البريطانية، الشهيرة بالمراوغة وإمكانية التلاعب بالصيغ، ومداراة أكثر الأهداف خطورة وتأثيرا بزخرف القول. وفى تصورنا أنه لم يكن الرجل المناسب للسهر بتجرد على تطبيق رؤية الدولتين ولا أي رؤية أخرى للتسوية الفلسطينية.

كل ما في الأمر، أنه استجلب للمنصب كمكافأة على أدوار أداها ذات حين في خدمة الاستراتيجية الغربية، أو لنقل الأميركية، في المشرق العربي، ولا نزيد.

يفترض أن كل عضو من أعضاء اللجنة الرباعية، يحظى وحده بمقام رفيع وكلمة مسموعة وطاقة كبيرة على الحركة في طول عالمنا المعاصر وعرضه، فكيف الحال إذا اجتمع هؤلاء معاً على موقف تجاه قضية معلومة المرجعية، وصدرت بحقها مئات القرارات الأممية التي لا ينقصها سوى التفعيل على أرض الواقع؟.

نود القول بأن الالتزام طويلاً إلى حد الملل بإبداء القلق أو الانغماس كلياً، في تفصيلات فرعية من القضية الفلسطينية، أمور تتصل بأضعف الإيمان، ولا تليق أبداً بهذه اللجنة.

من الغريب والعجيب مثلاً، أن تصدع الرباعية رؤوس الخلق بالتأكيد لعشرات المرات على «.. أهمية امتثال الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، لالتزاماتهم الأساسية، بموجب الاتفاقات القائمة، بهدف تشجيع واقع الدولتين..».. ألم تدرك اللجنة بعد أن هذين الطرفين كانا، وما زالا، عاجزين وحدهما، بسبب خلل ميزان القوى لصالح الطرف الإسرائيلي، عن تنفيذ «الاتفاقات القائمة»؟. ألا تعلم اللجنة أنها ما وجدت أصلاً إلا للتغلب على هذا العجز؟.

الشاهد أن اجتماعات الرباعية ورؤاها باتت تدور بلا مواربة في فلك التصور الإسرائيلي لأسلوب التسوية، وموجزه رفض مداخلات الوسطاء والأطراف الثالثة، والإصرار على التفاوض الثنائي المباشر مع كل طرف عربي على حدة، بما فيها الطرف الفلسطيني.

هذه انتكاسة كبرى تكفي للاعتقاد بأنه حان وقت إسدال ستائر النسيان على لجنة لها من الاسم أكثر وأكبر بكثير مما لها من الفعل.

 

 

Email