الشباب والمستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتعدد المؤسسات المعنية بالتنشئة والتثقيف الاجتماعي للشباب، وتتكامل هذه الأدوار لتنتج، نهاية المطاف، مواطناً مستنير الفكر، محدد الأهداف، قادر على الاختيار والتمييز بين الصالح والطالح، يستطيع أن يتخذ قرارات في ما يعرض عليه من مسائل، كما أنه قادر على تحمل نتائج اختياراته وقناعته.

كما أن المهمة الأكبر والأسمى أن يكون فرداً نافعاً لمجتمعه ومنتمياً لوطنه قادراً على الدفاع عن مكتسباته والوقوف أمام من يهدد أمنه أو يعكر سلمه، جاهزاً لبذل الروح دونه رخيصة في سبيل إعلاء شأنه، ولكي نصل إلى إعداد الفرد وتنشئته بالصورة المثلى يجب ألا تنتظر كل حلقة من الحلقات التربوية التي يمر بها الفرد غيرها للقيام بدورها، لعوامل كثيرة، من أهمها أن هذه الأدوار تقع حصرياً في دائرتها، ومهما حاولت حلقة أخرى فلن يكون غير فرع لا يغني عن الأصل.

الشاهد أن فترة الإجازة الصيفية، التي يقضيها شبابنا الآن يجب ألا تضيع هباء، فمع الاستمتاع بوقت الفراغ في السياحة والسفر، وتلك من أهم عناصر التنشئة الاجتماعية التي من المفترض أن تنمي لديهم ملكة الاعتماد على الذات، والاطلاع على مختلف الثقافات والقدرة على قبول الآخر، وهما من أسباب تكوين المجتمع المتسامح، وكذلك الاطلاع على التجارب الجديرة بالتأمل لدى الغير، وهو ما يمثل باباً واسعاً لتقدم المجتمعات.

أقول رغم ذلك فلا ينبغي أن تمر تلك الإجازة دون أن تكون الأسرة في القلب منها، وبخاصة أن الفترة التي يقضيها الفرد في المدرسة أو الجامعة تحد إلى حد ما من فرص التلاقي لفترات طويلة بين أبناء الأسرة الواحدة، كما أن العطلة الصيفية، سواء من يقضيها في داخل الدولة أو خارجها، تمثل فرصة سانحة لتلاقي الأسرة بأكملها لفترات قد لا تتاح في كل الأوقات، وهي الفرصة التي يمكن للوالدين أن يكونا فيها أقرب لأبنائهم وأكثر مشاركة لاهتماماتهم.

من خلال تجربتي الذاتية وتجارب من حولي أؤكد أن الكثيرين سيعيدون اكتشاف أولادهم وكذلك أنفسهم، والأولى مرجعها إلى أننا سنكتشف أن أبناءنا ليسوا مثلنا، كما أن طريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع الكثير من المسائل، فضلاً عن طبيعة اهتمامهم والقضايا التي تشغل بالهم أكبر بكثير من أعمارهم التي تضاعفت بسبب الكم الكبير من مصادر المعلومات وسهولة الوصول، واكتسابهم لمهارات التعامل معها بشكل لافت، كما أننا سنعيد اكتشاف أنفسنا لندرك كما نحن حرمنا أنفسنا من الاستماع والاستمتاع بالتعامل عن كثب مع جيل خلق لزمان غير زماننا.

ولأن الأمر يسير على هذا النحو المتسارع في الفكر والسلوك يجب على الأسرة أن تكون حاضرة، لا لتحول بينه وبين مجريات عصره ولكن لتوجه البوصلة، وتضبط الحركة، وتوضح الثوابت، وتضع الحدود التي تجعل من قضايا الوطن والانتماء إليه أعز القضايا، وتنمي الوعي بأهمية الحفاظ على المكتسبات والوقوف في صفه أمام كل المتربصين به للنيل منه والتدبير ضده بليل، كما أنه من الأهمية بمكان إدراك أن كثيراً من الإشباعات النفسية والاجتماعية لا يمكن لأية مؤسسة أن تقوم بها إلا الأسرة ذاتها، كما أن المعلومات التي يستقيها الفرد يجب أن تتم تحت سمع وبصر الأسرة للتبصر والإدراك والتوجيه والإرشاد، وهو دور أساس للأسر.

من ناحية أخرى ينبغي على المؤسسات التربوية والتعليمية سواء المدارس والجامعات ألا تغلق أبوابها أمام منتسبيها بمجرد انتهاء العام الدراسي، وكأن دورها انتهى، ولكن ينبغي وضع خطة من الأنشطة غير الصفية سواء في مجال الأنشطة الرياضية والترفيهية وكذلك التثقيفية من خلال برامج محددة متنوعة تزيد من وعى أبنائنا بما يحيط بهم من قضايا ومشكلات، وإكسابهم مهارات تجعلهم قادرين على الانتقاء والفرز. وهو الأمر الذي يجنبهم الوقوع في الكثير من الأخطاء، فضلاً عن تنمية الكثير من المهارات وتنمية روح التطوع والمشاركة في خدمة مجتمعاتهم، ومساعدتهم على اكتشاف الكثير من مهاراتهم سواء في الكتابة والتأليف وغيره من الملكات، التي قد تظل كامنة لدى الفرد تحتاج من يميط اللثام عنها، وبخاصة أن أعظم المواهب الكبيرة كانت دوما المدرسة والجامعة المكان الأمثل لاكتشفاها والتعبير عنها والانطلاق بها.

هنا يجب الإشادة بما أعلنته هيئة دبي للثقافة والفنون عن برنامج «طاقات» للتدريب الصيفي، الموجه حصرياً لطلبة وطالبات المدارس والجامعات والكليات والمعاهد، وذلك من أجل تنمية وصقل مهاراتهم، بما يساعدهم للإسهام في خدمة المجتمع، فضلاً عن إتاحة الفرص للطلاب لاكتساب الخبرات العملية والتدريب.

ومن المؤكد أن طلبة وطالبات المدارس والجامعات والكليات والمعاهد المشاركين في البرنامج سيكتسبون الكثير من المهارات التي تدعم تحصيلهم العلمي، إضافة إلى اكتسابهم الخبرات الأساسية.

إن شعار «صيف توعوي» هو الهدف الأنسب لجعله واقعاً بين شبابنا باعتبار أن الوعي هو الأساس لأي جهد مثمر والشرط الأساس لنجاح كل الأعمال.

Email