حرب بلير على بريطانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخرج رئيس الوزراء البريطاني السابق من وقت لآخر بتصريحات بدافع البقاء على الساحة السياسية ومحاولة لعب دور في السياسة البريطانية.

آخر تلك المحاولات هي تصريحاته الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

قال بلير إن بعض زعماء الاتحاد قد يكونون مستعدين لتقديم تنازلات فيما يتعلق بحرية تنقل الأفراد لمساعدة بريطانيا على البقاء في السوق الموحدة.

وأشار إلى خيار إمكانية بقاء بريطانيا في إطار اتحاد أوروبي معدل بعد إدخال إصلاحات عليه.

أضاف بلير«أوروبا نفسها تنظر الآن إلى برنامج إصلاح ذاتي»، وتأتي تلك التصريحات قبل بدء الجولة الثانية للمفاوضات بين دافيد ديفيس الوزير المسؤول عن ملف الخروج من الاتحاد وفريقه من جانب، وميشيل بارنر كبير مفاوضي الاتحاد المسؤول عن ملف الخروج وفريقه.

تجدر الإشارة إلى أن تصريحات بلير لاقت نقداً من قبل وزير الخزانة في حكومة الظل جون ماكدويل وهو من حزب العمال الذي كان بلير زعيمه في يوم من الأيام.

قال ماكدويل «علينا احترام نتيجة الاستفتاء ويمكن لحزب العمال التفاوض للاستفادة من مزايا السوق الموحدة».

لايمكن إنكار وجود ضغوط هائلة على الحكومة البريطانية وفريق التفاوض المنوط به تلك المهمة ولاسيما أن هناك انقساماً داخل مجلس الوزراء بين دعاة الخروج المتشدد أو الانسحاب الكامل بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي ويطالب هذا الفريق بالخروج من السوق الموحدة من أجل السيطرة على الهجرة والمهاجرين من دول الاتحاد، والفريق الأخر هو الخروج المعتدل أو الانسحاب الجزئي ومن دعاته وزير الخزانة فيليب هاموند والذي يحاول ايجاد طريقة للبقاء في السوق الموحدة من اجل الاقتصاد البريطاني ورجال الأعمال ولاتوجد علي أولوية هذا الفريق قضية الهجرة والمهاجرين وهي لب الاستفتاء الذي جرى العام الماضي.

من هنا تمثل تصريحات بلير بعد اتصالاته مع بعض أصدقائه من زعماء الاتحاد الأوروبي تمثل حرباً نفسية على المفاوض البريطاني والتي قد تقوي من الفريق الثاني.

تجدر الإشارة إلى أن دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني السابق قد حاول الحصول على تنازلات بخصوص قضية حرية تنقل الأفراد إلى بريطانيا، ولكنه لم يفلح واضطر إلى الدعوة للاستفتاء على البقاء في الاتحاد.

وبالتالي تحوم الشكوك حول مدى مصداقية تلك التنازلات المزعومة من بلير ولاسيما أن كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي أكد على أن حرية التنقل بند أصيل من مبادئ الاتحاد.

من هنا على المفاوض البريطاني أن لا يركز كثيراً علي تلك التصريحات ويركز على القضايا الأساسية وهي وضع الأوروبيين في بريطانيا ومدى خضوعهم للقوانين البريطانية وكيفية بقائهم في مقابل بقاء البريطانيين في دول الاتحاد أي ربط الملفين معاً، وفاتورة الطلاق بين الجانبين والاتفاقات التجارية بينهما ورجوع سيادة البرلمان البريطاني على التشريعات وعدم الخضوع لتشريعات الاتحاد الأوروبي.

إن احترام إرادة الناخب البريطاني تجعل من الضروري قيام المفاوض البريطاني بمحاولة الخروج الذي يضمن مصالح بريطانيا دون المساس بقضية السيطرة على عدد المهاجرين الذين يدخلون من دول الاتحاد إلى بريطانيا.

إن صعوبة المفاوضات تتطلب مواجهة الحرب النفسية الأوروبية بحرب نفسية مماثلة مع العمل الجاد على تقديم خطط بديلة عند الخروج وعدم الانتظار إلى مارس 2019 لعمل ترتيبات اتفاقات تجارية مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة والهند والصين وغيرها.

يضاف إلى ذلك إبراز الاستفادة المشتركة بين الاتحاد وبريطانيا حيث يحتاج كل منهما للأخر في بعض الملفات الاقتصادية، فالمصالح المشتركة قد تتغلب على الكبرياء الذي يميز بعض القادة الأوروبيين مثل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الذي أكد مراراً أن خروج بريطانيا يمثل كارثة لها دون الأخذ بالاعتبار أنه إذا مثل كارثة لبريطانيا فهو يمثل أكثر من كارثة للاتحاد حيث تعد بريطانيا المساهم الثاني بعد ألمانيا في ميزانية الاتحاد بحوالي 13 مليار جنيه استرليني سنوياً، وخروجها يجعل الاتحاد في مأزق عبر عنه المفوض المسؤول عن الميزانية الأوروبية عندما طالب بتخفيض نفقات الاتحاد أو إيجاد مصادر بديلة عند خروج بريطانيا من الاتحاد.

إن العامين المقبلين هما فترة صعبة على بريطانيا وعلى فريق التفاوض والبرلمان أن يسعيا للخروج الآمن الذي يضمن مصلحة المواطن البريطاني أولاً وأخيراً.

Email