من الضروري جداً، وتحديداً في هذا المرحلة من الأزمة القطرية، إعادة التأكيد على بعض الحقائق الأساسية، التي تراهن الدوحة على تغييبها مع الوقت، وتحاول أن تمحوها بالتقادم، وهو الأمر الذي يجب أن تعيه الدول الأربع المقاطعة، وتحديداً في خطابها الخارجي.
كان ملفتاً حديث معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، عن الأزمة القطرية من لندن، وتأكيده على أن الأزمة لا علاقة لها بحرية التعبير التي تزعمها الدوحة، ولا تمارسها، وإنما حول تمويل الدوحة للتطرف والإرهاب، واتخاذه نهجاً سياسياً، وهو مثبت بالبراهين المرصودة.
مع أهمية ما تطرق له الوزير في حديثه للصحافة البريطانية، إلا أنه يمكن الوقوف على نقاط أساسية عدة:
أولاً، إشارة الدكتور قرقاش لكون الأزمة تجني ثمارها، حيث اختلفت الأشياء وتطورت أسرع مما تتوقع الدوحة، وبدأت بدفع الثمن حتى مع مكابرتها.
سياسياً، سارعت الدوحة للاعتراف بتمويل الإرهاب بطريقتين، عبر تصريحات وزير الخارجية القطري، ومن خلال توقيع اتفاقية لـ«وقف» تمويل الإرهاب مع أميركا، كانت قد امتنعت عنها سابقاً، وهو امتداد للجهود السياسية والدبلوماسية التي تقودها الدول الأربع، مع التذكير أن الاتفاقية ليست كافية، ولا تعد شيئاً مهماً مقارنة مع المطالب المعروفة.
اقتصادياً، يمكن لأي مبتدئ في قطاع الاقتصاد من رصد تدهور الريال القطري، وامتناع الكثير من الدول عن التعامل به وتداوله، بالإضافة للسقوط المتتابع للبورصة القطرية، والخسائر الكبيرة في قطاع الطيران، وهروب الكثير من العمالة والمستثمرين، وهو مثبت بالأرقام.
كما لا يمكن تجاهل تراجع تصنيف قطر الائتماني.
ثانياً، المطالبة بمراقبة دولية، وهو أمر أشار له الدكتور قرقاش منذ بداية الأزمة، وعاد للتذكير به، لأنه يمثل أولوية قصوى، تضمن مراقبة التدفق المالي القطري، المقدر باحتياطي نقدي بـ300 مليار دولار، وضمان عدم استمرارية تمويل التطرف والإرهاب كما كان سابقاً.
بالإضافة إلى أن الثقة بقطر لم تعد موجودة، حتى من قبل الوسيط، أي الكويت، التي حاولت الدوحة إحراجها أكثر من مرة، ولم تلتفت لجهودها ودورها.
ثالثاً، العمل المزدوج للدوحة، فلا يمكن لقطر أن تكون جزءاً من تحالف خليجي يهدف للأمن والنمو والتنمية والاستقرار، وتعمل في الوقت نفسه على تقويض أمنه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مالياً وسياسياً وإعلامياً وغيره.
الأمر نفسه يتعلق بأدوارها في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والبحرين، وهذه الزوايا ليست تحليلات أو انطباعات، وإنما وقائع مثبتة وبراهين مرصودة.
نقطة إضافية أخرى، يجب الإشارة لها باستمرار، قول الدكتور قرقاش «لن نصعد من التدابير السيادية التي تحق لنا»، حيث إن جميع ما تقوم به دول المقاطعة هو وفقاً لحقها السيادي الأصيل، وبما تضمنه لها القوانين والأعراف الدولية، ما يسقط على الدوام مزاعم الحصار والمظلومية القطرية، التي رفضت من عدد من المنظمات والجمعيات الدولية، التي تدرك الفرق بين «المقاطعة» و«الحصار».
وآخر ما أختم به، تماماً كما قال د. قرقاش: الأزمة في منطقة الخليج جدية، وهو ما يجب أن تدركه إمارة قطر.