ترامب وصراع الحضارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطاباً في وارسو عاصمة بولندا الأسبوع الماضي أشاد فيه بالعلاقات بين البلدين.

كما أثنى على الشعب البولندي وبطولاته التي سطرها عبر التاريخ، وأشار إلى التضحيات الكبيرة في مواجهة النازية ونظام الحزب الواحد الشمولي.

عرّج الرئيس الأميركي بعد ذلك على ظاهرة الإرهاب والتطرف وأن الولايات المتحدة وأوروبا تواجه خطر الإرهاب، وأشار إلى اجتماعه التاريخي في الرياض بقادة خمسين دولة إسلامية لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتي تهدد الإنسانية جمعاء.

دعا ترامب الجميع إلى محاربة الفكر المتطرف وإلى حرمانه من كل رافد، سواء كان فكرياً أو مالياً أو غير ذلك من الوسائل التي تعظم من هذا الخطر.

تحدث لاحقاً،عن أن الغرب يواجه بربرية الأخر والذي بلا شك يقصد به الإسلام والمسلمين. والفكرة ليست من بنات أفكار ترامب، بل هي أطروحة صراع الحضارات أو تصادم الحضارات والتي تحدث عنها الكثير مثل ألبرت كامو في العام 1946، وكذلك المستشرق البريطاني الأصل الأميركي الجنسية برنارد لويس، وبعض المصادر تشير إلى كتاب حول المسلمين نشر في العام 1926 يشير إلى مفهوم التصادم بين الحضارات.

في التسعينيات من القرن المنصرم خط عالم السياسة الشهير سامويل هانتغتون مقالة كان لها صدى عالمي حول «تصادم الحضارات». ويتحدث هانتغتون عن عالم ينقسم إلى حضارات مختلفة ستشهد صراعاً دامياً بينها، وقد شدد على أن الصراع الرئيس في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة ستتركز على الصراع بين الحضارتين الغربية والإسلام بسبب أن الاثنين يرون أنفسهما على أنهما حضارتان عالميتان وأنهما تحملان الرسالة الحقيقية للبشرية في تناقض مع الأخر.

رغم أن الكثيرين انتقدوا أطروحة هانتغتون، إلا أن ابن لادن أبى إلا أن يقدم الدعم للمقولة بالهجوم الإرهابي على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد اكتسبت فرضية تصادم الحضارات دليلاً مادياً على صحتها.

وكانت الفكرة أساساً لتبرير حروب واشنطن في أفغانستان والعراق والحرب العالمية ضد الإرهاب، أو كما يحلو للبعض بتسميتها الفاشية الإسلامية.

ثم كان خطاب خلف بوش، الرئيس باراك أوباما، في القاهرة، بعد تسلمه للرئاسة بحوالي ستة أشهر والمعنون بـ «البداية الجديدة»، والذي أراد منه تغيير السرد حول العلاقات الإسلامية بالغرب وأميركا بالذات، وامتدح حينها الحضارة الإسلامية ومساهمتها في الحضارة الإنسانية.

من نافل القول، أن الخطاب كان خطاباً بلاغياً دونما أثر على الواقع السياسي.

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن الرئيس ترامب ألقى خطابه في وارسو بعد بداية حكمه بستة أشهر تقريبا في معارضة خطابية لخطاب سابقه في القاهرة، وقد كتب أحد الصحفيين في المجلة اليمينية (ناشيونال ريفيو«وبنبرة مؤيدة أن خطاب ترامب هو خطاب نقيض لخطاب أوباما، وأن الخطاب تصحيح مهم لفداحة خطاب الرئيس الأميركي السابق والذي أراد أن يقلب الحقائق لإسعاد المسلمين والتزلف لهم.

وقد استعرض الرئيس ترامب منجزات وتفوق الحضارة الغربية عن جميع الحضارات، وقال إن الحضارة الغربية هي حضارة فريدة ليس لها مثيل في التاريخ، وان الأمم الغربية هي الأعظم والأسرع»ليس هناك مثل مجموعة أممنا. ولم يعرف التاريخ لنا مثيلاً«

ورغم أن الرئيس الأميركي كان يشيد بصمود البولنديين في مواجهة همجية النازيين خلال الحرب العالمية الثانية منذ برهة، إلا انه تناسى أن الهمجية النازية كانت نتاج الحضارة الأوروبية، وان ما فعله النازيون يفوق بشاعة أسواء أفعال المسلمين بما فيها القاعدة وداعش.

واستمر في رسم حدود فاصلة بين الغرب والعالم وقال إن علينا أن نتوحد في وجه الهجمة من الجنوب أو الشرق والتي تقوض القيم الغربية وتهدد ثقافتنا وإيماننا وتقاليدنا وهويتنا أو من نحن.

وأضاف إن اهم درس نتعلمه من صمود بولندا في وجه النازيين والشيوعيين هو أن الدفاع عن الأوطان ليست بالوسائل فحسب ولكن بالإرادة.

وأردف قائلاً إن بقاء الغرب اليوم يعتمد على إرادته. والسؤال»هل لدينا الرغبة والشجاعة لحفظ حضارتنا في وجه أولئك الذين يريدون تقويضها وتدميرها«

واختتم خطابه بالإعلان»أن الغرب لن يكسر. وقيمنا ستتغلب. وشعبنا سيزدهر. وحضارتنا ستنتصر).

ولا شك أن الخطاب موجه إلى قواعد شعبوية في أوروبا وأميركا والتي ترى في العالم المحيط خطراً عليها وعلى رفاهيتها وعلى قيمها. ولكن التطرف لا دين ولا مذهب له. وأسوأ كوارث الغرب في العصر الحديث كان منه وفيه.

العجب أن مروجي تصادم الحضارات مثل لويس وهانتغتون ومن على شاكلتهم كترامب يتقاسمون الرؤى مع أمثالهم في العالم الإسلامي كالقاعدة وجحافل داعش.

Email