القيادة بين ترامب وأوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

لشخص الرئيس أو لمن يشغل المركز القيادي في أية دولة دور هام في رسم صورتها في الأذهان محلياً ودولياً، إلا أن لرؤساء الدول الكبرى أهمية خاصة في ذلك، لما لدولهم من تأثير في مسارات الأحداث في العالم.

هناك تباينات بين رئيس أميركي وسلفه في الكاريزما وفي الطموحات والأهداف، نذكر منها في نصف القرن المنصرم، التباين بين بيل كلنتون وسلفه جورج بوش الأب، ثم التباين بين باراك أوباما وسلفه جورج بوش الابن.

إلا أن التباين بين الرئيس ترامب وسلفه أوباما، هو الأبرز والأكثر سطوعاً، فإضافة إلى الاختلاف في انتمائهما الحزبي، هناك فوارق هامة بين شخصيتهما في النشأة وفي الانتماء العرقي وفي الثقافة وفي نمط التفكير وطرائق مقاربة القضايا المحلية والدولية.

بعد لحظات من تلاوته اليمين في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، أشار ترامب بشكل حاسم إلى أنه سيكون رئيساً مختلفاً، كما كان مرشحاً من نوع مختلف. وحين شدد في الخطاب الذي ألقاه بأن أميركا سوف تبدأ بالفوز مرة أخرى كما لم يحدث من قبل في الماضي، بدا الرئيس أوباما قبل ذلك بثماني سنوات معتدلاً متواضعاً، يتحلى بضبط النفس وباحترام الآخرين، وهو يقول «إن قوتنا وحدها لا تتمكن من حمايتنا، ولا تخول لنا أن نفعل ما يحلو لنا».

الرئيس ترامب عكس الكثير من صفاته الشخصية خلال الحملة الانتخابية للرئاسة، إلا أن الحكم عليه ليس بكافٍ على هذه الأسس، وذلك لأن تلك الحملة هي تسويق لنفسه من خلال الكثير من الوعود التي تداعب مخيلة الكثيرين، أما الحكم على أدائه فيأتي لاحقاً، عندما يقارن بأداء سلفه. وتعتبر استطلاعات الرأي حول السياسات المحلية والدولية في غاية الأهمية لرؤساء الولايات المتحدة، وهناك جهات عديدة متخصصة تقوم بذلك أسبوعياً أو يومياً.

مع أن هناك بعض التباين في نتائجها، إلا أنه ليس هناك بديل عنها للتعرف إلى الرأي العام وأهوائه. فعلى مستوى الداخل الأميركي، ووفق استطلاع أجرته «مؤسسة غالوب» مطلع يوليو الجاري، ظهر أن نسبة المؤيدين لسياسات الرئيس ترامب قد انخفضت إلى 37 %، في حين كانت هذه النسبة 60 % في عهد سلفه أوباما لنفس الفترة.

أما على مستوى الخارج، فقد أظهر استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث، شمل سبعاً وثلاثون دولة، وشارك فيه ما يزيد على الأربعين ألف من مواطني هذه الدول، تدهور صورة الولايات المتحدة بشدة، وأن الغالبية العظمى في بعض هذه الدول لا يثقون بقدرة الرئيس ترامب على القيادة.

وقد انخفضت نسبة الثقة بسياسات الولايات المتحدة إلى 49 %، بعد أن كانت في نهاية عهد الرئيس أوباما 64 %، وكان التدهور في أقصى حالاته في دول حليفة لها، مثل كندا والمكسيك وألمانيا وإسبانيا. وقد حصل ترامب على نقاط أعلى من سلفه أوباما في بلدين فقط، هما روسيا وإسرائيل.

مع أن استطلاعات الرأي العام، تأخذ عينات عشوائية من المجتمع، وهو أمر هام، إلا أن استطلاعاً لرأي النخب في عالم الأعمال له أهمية أكبر، وذلك لأنهم قادة ذوو تأثير في المجتمع، فما الذي يقوله هؤلاء حول مستوى أداء الرئيس ترامب، الذي وصل إلى البيت الأبيض استناداً على نجاحاته في عالمهم، بعد مرور ستة أشهر على وجوده كرئيس للولايات المتحدة؟.

هذا السؤال وجهته شبكة القنوات التلفزيونية سي إن بي سي، طالبة الإجابة عنه بكلمة واحدة فقط إلى المديرين الماليين في عدد من كبرى الشركات، مثل بنب باريباس وسيسكو وكلوروكس ودوبونت وفاسيبوك وفورد وليفي ستراوس وماريوت وماستركارد وونيليفر والخطوط الجوية المتحدة.

فمن أصل 35 مديراً استجابوا للسؤال، يمكن اعتبار أربعة ردود فقط إيجابية بشكل ما، أما البقية فلم تكن في صالحه، حيث استخدمت مصطلحات قاسية لوصف أسلوبه في الإدارة كرئيس، منها: متغطرس، استبدادي، جاهل، مربك، ديكتاتور، رهيب، نرجسي، غير كفء، تعجز الكلمات عن التعبير.

لا شك أن الرئيس ترامب مسؤول عن التراجع في شعبيته في الداخل، وعن تراجع صورة الولايات المتحدة في الخارج، فالقرارات التي اتخذها، والتي اصطدمت بالمؤسسات الدستورية واختياره لبعض الشخصيات التي أثيرت حولها الأقاويل في طاقم إدارته، أضعفت ثقة مواطنيه برجاحة قراراته وخياراته.

على صعيد آخر، في سياق المقارنة بين الرئيس ترامب وسلفه أوباما، وجّه السناتور الجمهوري البارز جون مكين، انتقادات قاسية لقيادة الرئيس ترامب على الساحة الدولية في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الغارديان البريطانية في الحادي عشر من يونيو المنصرم، وأجاب عن سؤال حول مستوى قيادته، مقارنة بقيادة سلفه قال مكين «بقدر ما يتعلق الأمر بالقيادة أوباما أفضل من ترامب»، هذا علماً بأن السناتور مكين كان من أشد المنتقدين لسياسة إدارة الرئيس أوباما الخارجية.

 

 

Email