«تنظيم الحمدين» وما أنكرت العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

داس «تنظيم الحمدين» على كل قيم العرب وأخلاقهم، بنكثه العهود، وتنكره للمواثيق، وتنصّله من الأعراف، فكان مثالاً للخروج عن ثوابت الثقافة العربية الإسلامية التي كثيراً ما كان يدعي التشبع بها والالتزام بمبادئها، ثم تبين للمراقبين والمتابعين والناس أجمعين أنه لا يعترف إلا بحساباته الأنانية لخدمة مشاريعه التآمرية ضد الشقيق والصديق، حتى امتدت يده إلى بيوت الجيران بالمكر والبهتان، وانطلقت في كل مكان، تشعل النيران، وتهدم البنيان، وتحرق البشر والحجر، وتدمر الزرع والضرع، وتزرع الخراب والإرهاب، وتفتك بالسلام والوئام.

لقد وضعت العرب الوفاء على رأس القيم الأخلاقية النبيلة، وجعلت الغدر سبّة وعاراً يلاحق صاحبه حياً وميتاً، حتى إن الرجل منهم كان ينطق بالكلمة فتصبح عهداً، عليه أن يفي به وإلا عرّض شرفه للتجريح، وكان الغدر معرّة يتجافون عنها، وإذا ما غدر أحدهم رفعوا له لواءً بسوق عكاظ تشهيراً به وتعزيراً له، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي قطبة بن أوس بن محصن بن جرول الذبياني الغطفاني في إجلاله للوفاء وإنكاره للغدر:

أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدرةٍ

رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ

إنا نَعفُّ فلا نُريبُ حليفَنا

ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ

ومن مآثر العرب ما فعله عبد الله بن جُدعان في حرب الفِجَار التي دارت بين كنانة وهوازن، إذ جاء إليه حرب بن أمية.

وقال له: احتبس قبلك سلاح هوازن، فقال له عبد الله: أبالغدر تأمرني يا حرب؟ والله لو أعلم أنه لا يبقي منها إلا سيف، إلا ضُربت به، ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً.

ورد على لسان أوس بن حجر بن مالك التميمي، شاعر مضر، أبي شريح، وهو من كبار شعراء تميم في الجاهلية:

وأني رأيت الناس إلا أقلهم

خفاف العهود يكثرون التنقلا

ومن خفاف العهود هؤلاء، حكام الدوحة الذين لم يسمعوا عن ذلك المثل القائل «أنجز حر ما وعد»، ولم يصل إليهم المثل الإسباني القائل: «إن الوعود هي الفخاخ يقع فيها الحمقى»، لذلك تنكروا لما سبق أن أمضوا عليه في الرياض من خلال وثيقة التفاهم في 2013، والملحق التنفيذي في 2014 الذي استجابوا فيه ظاهرياً لدعوة أشقائهم الخليجيين قبل أن يتنكروا له جملة وتفصيلاً، مصرّين على الاستمرار في لعبة التآمر والخيانة وبث الفتن وترويج الأكاذيب والتحريض على الفوضى وإيواء المخربين وتمويل الإرهاب، والتدخل في شؤون الأشقاء، والإمعان في دعم كل ما من شأنه أن يسفك دماء الآمنين ويقطع رقاب المسالمين ويحفر من تحت أقدام الغافلين.

قديماً قال الحكيم بوبيلوس سيروس (46 - 29 قبل الميلاد): «حتى مع العدو ينبغي للمرء أن يفي بوعده»، ولكن نظام الحمدين لا يفي بوعوده مع الأشقاء والجيران، ليجسد ما قالته العرب: «وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب»، أو ربما ليثبت أنه متأثر جداً بالنظرية الميكافيلية الواردة في كتاب «الأمير» التي تقول ببساطة: «لا يفتقر الأمير إلى أسباب شرعية لنكث وعده».

وهنا أصل الداء، فلنظام الحمدين من عقيدة الإخوان ما يجعله يفتي لنفسه بنكث العهود، وخلف الوعود، ونقض المواثيق، والتشبث بالنفاق منهجاً وسبيلاً.

Email