الحرب على مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن أي خطاب عاطفي بالشجب أو الإدانة وتجديد التضامن والدعم والتأييد، تبقى الرؤية العقلانية في محاولة فهم وتحليل ما تتعرض له الدولة المصرية من أحداث إرهابية دامية أمراً ضرورياً.

لا شك في أن أطرافاً إقليمية وعالمية لا تريد لمصر أي استقرار حالياً ولا مستقبلاً، وفي سبيل تحقيق ذلك فإنها تسارع إلى التدخل العنيف في كل مرة تظهر خلالها مؤشرات على أن مصر في طريقها لاستعادة نفسها ودورها.

هذا السيناريو يحدث ويتكرر في كل مرة يعود فيها الرئيس السيسي من جولات خارجية ناجحة أو مؤتمرات تعيد مصر إلى الواجهة العالمية، أو بعد ظهور مؤشرات قوية تنبئ بإمكان خروجها من عنق الزجاجة لتتجاوز مصاعبها الاقتصادية على وجه الخصوص، وهو ما حدث بصورة نمطية في الاعتداءات الأخيرة بعد توجيه ضربات أمنية قوية للتنظيمات الإرهابية داخل البلاد وخارجها - في ليبيا تحديداً- ما أدى بالفعل إلى تراجع العمليات الإرهابية.

تزامن مع ذلك ظهور مؤشرات اقتصادية إيجابية جداً وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري تؤكد على سبيل المثال تراجع عجز الميزان التجاري في الربع الأول من 2017 من 9.970 مليارات دولار إلى 9.167 نتيجة زيادة الصادرات من 4.275 مليارات دولار إلى 5.547 مليارات دولار على الرغم من تزايد فاتورة الواردات من 14.345 مليار دولار إلى 14.714 ملياراً نظراً إلى زيادة فاتورة استيراد البترول بنحو الضعف، حيث قفزت من 1.641 مليار دولار إلى 3.081 مليارات دولار خلال هذه الفترة.

في المقابل شهد ميزان الخدمات تطوراً إيجابيا مهماً لاسيما فيما يتعلق بتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى جانب الاستثمار الأجنبي للصناديق العالمية في أدوات الدين العام والبورصة، كما شهد قطاع السياحة تطوراً مهماً على الرغم من القيود المفروضة من جانب بعض الدول وعلى رأسها السياحة الروسية، حيث ارتفعت إيرادات السياحة في شهر مارس الماضي إلى 480 مليون دولار مقارنة بـ 198 مليون دولار في الشهر نفسه من 2016 أي بنسبة زيادة 141% وكذلك الحال وبمعدلات النمو نفسها في شهري يناير وفبراير 2017 بنحو 85% و172% على التوالي وهو ما يعكس التأثير الإيجابي لتحرير سعر الصرف في زيادة تنافسية السلع والخدمات المصرية وفى مقدمتها قطاع السياحة.

هذه التطورات تعني أنه حال استمرارها بمعدلاتها نفسها فإن الحساب الجاري سيحقق فائضاً بنحو 8 إلى 10 مليارات دولار، وتتجلى الصورة بشكل أكثر وضوحاً إذا أضيف إلى هذه التطورات المهمة ارتفاع الاحتياطي الأجنبي ليسجل رقماً قياسياً جديداً 31.3 مليار دولار بما يغطى أكثر من 6 أشهر واردات، كما أن هذا الارتفاع جاء رغم سداد وتوفير البنك المركزي نحو 3.5 مليارات دولار للجهات الحكومية خلال الشهر الماضي لاستيراد المواد التموينية والبترولية إلى جانب سداد مستحقات والتزامات دولية وجانب من مديونيات شركات البترول، الاحتياطي الأجنبي في مصر حالياً يتجاوز نظيره في تركيا الذي سجل 29 مليار دولار فقط.

تبقى الإشارة إلى الزيادة المطردة في تدفقات النقد الأجنبي لدى القطاع المصرفي حيث قفزت إلى ما يقرب من 100 مليون دولار يومياً مع بدء استعادة الجنيه جانباً من عافيته، ويعكس هذا الأمر الطفرة في تدفقات النقد الأجنبي تدافع حائزي الدولار إلى التخلص منه، حيث بلغت حصيلة بيع الدولار لدى البنوك نحو مليار دولار في 3 أيام الأسبوع الماضي فقط.

المهم في هذه الأرقام دلالاتها على أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المرهق جداً للمواطن المصري قد بدأ بالفعل يؤتي ثماره بما سينعكس إيجاباً بالقطع على الاقتصاد الكلي ومعدلات النمو، وهي في حد ذاتها ثمار ما كان لها أن تتحقق لولا الكثير من مظاهر الاستقرار السياسي والأمني ونجاح مؤسسات الدولة في إدارة شؤون البلاد.

هناك من الدول من يشارك بوعي أو من دون وعي في حملة الكراهية تلك ومنهم من ينفذ أدواراً لقوى خارجية تهدف لنقل أرضية المعركة إلى سيناء لخلق أوضاع جديدة مشابهة للرقة والموصل تحقيقاً لأهداف لا تنفصل عن الناتج النهائي لمخطط الشرق الأوسط الجديد، والمؤسف أن دولة مثل قطر لا ترغب في التراجع قيد أنملة عن موقفها المخجل في الابتعاد عن تمويل الإرهاب رغم الموقف العربي الصلب في هذا الشأن الذي يضيف آلاماً وهواناً لأوضاعنا.

إن حجم الخسائر وطبيعة العمليات الإرهابية النوعية التي تعرضت لها الدولة المصرية قبل أيام تؤكد أن التخطيط والتدبير والتسليح والتنفيذ يفوق بكثير إمكانات أي تنظيم إرهابي منفرداً، وهي كذلك فوق طاقة «داعش» بكثير جداً مثلما سبقت الإشارة في أكثر من مناسبة عند تمدده في بلاد الرافدين بشكل يتنافى مع العقل والمنطق، لتكشف مخططات تلك الأيام أنه بالفعل مجرد أداة في أيدي قوى شيطانية أكبر بكثير مما نتصور، ولننتبه جميعاً مرة أخرى، فهناك بالفعل حرب على مصر.

Email