يبدو واضحاً، انشغال الدوحة بالأزمة الحالية عن التفرغ لتمويل الإرهاب، حيث لم تعتقد يوماً أن التموين الغذائي الداخلي سيكون هماً لها، ولا التذمر الشعبي المتتابع جراء المقاطعة، وهو ما أجبر قطر على تشكيل لجان للبحث في الشكاوى المتراكمة، من قبل الأهالي والتجار والمستثمرين، جراء الضرر الذي لحق بهم، وفقاً لصحف قطرية.

لم تحتج الأحداث للكثير من الوقت لتثبت تورط قطر في تمويل الإرهاب، بل أظهرت سريعاً أدلة تضاف إلى المخزون السابق من البراهين، فالعزلة من قبل الدول الأربع، والانشغال بأزمات الداخل، لم يسمح لها بمواصلة تمويل «داعش» كما كان سابقاً، ما أسقطها سريعاً في الموصل، في نفس الوقت، لم تكن تستجيب لطلبات الحوثي المتواصلة، وهو الأمر الذي ساعد تحالف دعم الشرعية باليمن كثيراً للتقدم، الأمر لا يختلف كثيراً في سوريا أيضاً.

لقد حان الوقت، أكثر من أي وقت مضى، لتأسيس لجان دولية، تراقب تدفقات المال القطري، وتتابع المنظمات القطرية وغير القطرية غير الربحية، التي تمول التطرف والإرهاب، بمظلة العمل الخيري، وتطل بأشكال مختلفة ومتغيرة، في مجتمعات عدة، وتنشط كثيراً في البلدان الصغيرة ومناطق الصراع، لأن الانشغال بالداخل أمر وقتي، وستعاود قريباً كما كانت، توزع الأموال والأسلحة في كل مكان.

اعتادت الدوحة أن تراوغ في اتفاقياتها، تعاهد بالعلن وتنقض بالخفاء، تخلق العقود المزدوجة، التي تضمن استمرار دعمها للدمار والإرهاب، وتتهرب بها من الالتزام بالمواثيق الدولية. في كل مرة تكون جزءاً من معاهد تختار الالتفاف على المبادئ، عبر خلق مضامين حديثة.

نشر معهد واشنطن، مقالة بعنوان «سجل قطر المتباين في محاربة الإرهاب»، لماثيو ليفيت وكاثرين باور، جاء فيها: لم تتخذ قطر حتى الآن القرار الاستراتيجي بالتصدّي لتمويل الإرهاب بشكلٍ علني كمسألة سياسية، وقد ثبت أنّ بعض إجراءاتها المعروفة، هي تدابير غير مُكتملة (مثل مقاضاة بعض المموّلين الإرهابيين الذين حدّدتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة من دون أن تسجنهم).

ويُظهر إحجام الدوحة عن نسب الفضل إليها في الخطوات الإيجابية القليلة التي اتخذتها عدم الجدية في جعل قطر بيئة غير مؤاتية لمثل هؤلاء المموّلين. وتعكس هذه العقلية أيضاً، سياسة الدوحة الأوسع المتمثلة في دعم جماعات مثل حركة «حماس» و«طالبان» وتنظيم «القاعدة في سوريا».

يجب أن يكون العمل على ملف مراقبة المال القطري أكثر جدية من أي وقت مضى، وتحديداً عبر مراجعة الاستثمارات الخارجية، والتأكد من دوراتها الربحية، وطريقة التشغيل والصرف، والأسماء المقيدة عليها، والتأكد من عدم وجود أسماء إرهابية منتمية لهذه المشاريع، بأي صيغة أو علاقة بها.

بالتأكيد، التمويل القطري للإرهاب لم يعد بالأمر الجديد، أو الاتهامات التي تحتاج لأدلة، خاصة بعد مواقف بعض عواصم صناع القرار في العالم، ولكن الوقت الآن مختلف، مختلف تماماً.. إنه زمن التفتيش عن النوايا، قبل التمويل.