الفرصة الكبيرة أمام مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالنسبة للدول والأوطان لا يوجد دائماً فرصة أخيرة، وإنما هناك فرص متجددة دوماً، ربما يضيع بعضها، ولكن إذا ما جد الجد وشمرت الأمة عن سواعدها وبدأت العمل الشاق للبناء والتنمية فإنها تستطيع اللحاق بما فاتها.

هكذا كانت قصة دول كثيرة كانت إلى وقت قريب متخلفة بسبب المشكلات الكثيرة التي تقترب من المجاعة أو الفوضى الدائمة؛ ولكنها في لحظة بعينها من الهمة عزمت وتوكلت على الله وبدأت معركة اللحاق والدخول إلى العالم المتقدم.

الأمثلة كثيرة من كوريا الجنوبية في أزمنة سابقة، وحتى فيتنام في الوقت الراهن؛ وكلاهما كان متخلفاً، ودخل حروباً أحرقت الأخضر واليابس، ولكنها الآن تقف في صفوف الدول التي تنتج وتصدر وتبتكر وتنافس بسرعات فائقة.

مصر تتقدم ، فنحن أحسن حالاً الآن عما كنا عليه من قبل، والمسألة ببساطة هي أن العالم يتغير بسرعة أكبر من السرعة التي نتغير بها، وهناك مناطق كاملة من العالم لم تعد تعرف ظواهر مثل الحرب والثورة والفوضى، وبالطبع المجاعة أو العطش أو الأمراض المتوطنة.

لم يعد متصوراً على سبيل المثال أن تكون هناك حرب بين الولايات المتحدة وكندا، ولا أن تنتشر الأوبئة في أوروبا، ولا في الدول التي تعدت حاجز التخلف في آسيا أو أميركا الجنوبية، والهند والصين اللتان هما أكبر مخزون بشري -حوالي ٤٠٪ من البشرية جمعاء- باتت قائمة أعمالهما شبيهة تماماً بتلك الخاصة بالدول المتقدمة.

العالم المتقدم في العموم أصبح متحرراً من الكثير من الأوجاع التي كان يشاركنا فيها، والآن فإنه إزاء مرحلة جديدة من التاريخ يُخلق فيها إنسان جديد ومدن جديدة.

من هنا فإن ما نعايشه الآن من محاولة للتنمية هو الفرصة الأبرز ليس لأننا سوف نكون بالضرورة متقاعسين، وإنما لأن حركة العالم باتت بالسرعة التي لا نستطيع ملاحقتها.

لقد بدأت العصور الحديثة مع القرن التاسع عشر وكان لنا موعد مع الأقدار خلال ذلك الزمن في عهد محمد علي وإسماعيل؛ ولكن النتيجة النهائية كانت أن القرن انتهى وقد سبقتنا اليابان وأوروبا كلها وأميركا الشمالية. وفي القرن العشرين أعطتنا الأقدار ثورتان في ١٩١٩ و١٩٥٢، واحدة مدنية ليبرالية والأخرى وطنية ثورية، وكانت النتيجة مع نهاية القرن سبق عشرات الدول لنا في كل الموازين المعروفة.

مع القرن الواحد والعشرين أعطتنا الأقدار ثورتان لكي نتخلص من الثورة القديمة، وبعدها من يريدون لنا التراجع أكثر إلى الخلف مثل الإخوان، وبقي أن ننتهز الفرصة مع نهاية العقد الثاني من القرن.

بصراحة فإن معركتنا الأساسية تدور حول الخلاص من التخلف، فكل العالم يحارب الإرهاب، وكل العالم يجري وراء التقدم في السباق، وكل العالم يأخذ بسرعة من الإنجازات التكنولوجية التي لا عين رأتها من قبل ولا سمعتها أذن، ولا خطر بشأنها عقل بشر.

وبصراحة أكثر فإن حالة التقدم التي نسعى إليها لا يقوم بها شخص واحد، ولا مؤسسة واحدة، ولا قطاع واحد من الشعب؛ وإنما هي عملية مركبة من كل هذه العناصر يقودها عقل يعرف كيف يقود وينظم ويلهم.

كنا دوماً نعرف ما يجب عمله، ولابد أن نعترف وبوضوح كامل أن حالتنا يجب أن تتحسن؛ وأن العمل والعمل وحده هو الذي يجعلنا نخرج مما نحن فيه؛ وأننا على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة اتخذتها كل أمم الدنيا التي عزمت على الخروج من انتظار المساعدات.

وأننا نعرف بما نواجهه من تحديات سواء تلك التي تتعلق بالإرهاب، أو بالبيئة الإقليمية غير المواتية، أو بالمصاعب الآنية التي تواجه عمليات التنمية في البلاد؛ وأننا نعرف في الوقت ذاته الإمكانيات والمواهب التي تذخر بها مصر في نهرها وبحارها وأرضها والمائة مليون نسمة الذين ينتمون إليها.

مكونات هذه الفرصة الكبيرة تعطينا مجالاً لكي نحقق وننجز ما حلمت به أجيال كثيرة قبلنا، ولا يجب أن تكون الأجيال الحالية سبباً في حرمان الأجيال اللاحقة من تحقيقها.

 

 

Email