يهود يهددون يهوداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

زاد مؤخراً معدل بروز التمايز بين اليهود في إسرائيل والأميركيين اليهود. وفى مناسبات بعينها، ظهرت مؤشرات على احتمال تحول هذا التمايز والاختلاف إلى تنازع وخلاف.

قبل بضعة أعوام، ثارت حفيظة قطاع عريض من المؤسسة الأميركية اليهودية، بسبب إلقاء القوى الدينية المتشددة في حكومة بنيامين نتنياهو، باللائمة على عناصر هذه المؤسسة، لتقاعسهم في الهجرة إلى إسرائيل.

في هذا السياق، أعاد المسؤولون الإسرائيليون إلى النقاش، مقولة الرائد الصهيوني دافيد بن غوريون، التي ترى أن «..اليهودي الحق، هو فقط الذي يهاجر إلى أرض الميعاد إسرائيل..».

وكان رد اليهود الأميركيين، أنهم أصحاب الفضل الأول في قيام هذه الدولة وترسيخ أقدامها، وأنه لولا جهودهم في أحشاء أروقة أقوى دولة في العالم، ومساهماتهم السياسية والاقتصادية والمالية الداعمة للمشروع الصهيوني، لما عرفت الدنيا دولة إسرائيل من الأصل.

إزاء هذا المن الصريح والمعايرة الفجة، صعد بعض الإسرائيليين درجات أخرى على سلم الغضب، وذهبوا إلى أنه لا يستوي المدافعون عن دولتهم بضريبة الدم على أرض الميدان، مع المكتفين بالدعم متعدد الأشكال عن بعد.

لم تكن حدة هذا الجدل الساخن قد هدأت تماماً، حين ظهر في أفق المتناظرين موضوع خلافي آخر، يتعلق أساساً بتباين الرؤى تجاه توابع صعود دونالد ترامب وتسيده البيت الأبيض، وهو يتبنى خطاباً صاخباً مهتاجاً وشبه استعلائي ضد الأقليات والمهاجرين.

ففي الوقت الذي تلقى فيه الإسرائيليون هذا الخطاب وصاحبه بقبول حسن، معتبرينه بشارة بعهد آخر من استبسال واشنطن خلف مواقفهم المفسدة للتسوية الفلسطينية وفق حل الدولتين، تأبط الأميركيون اليهود شراً من إمكانية استطراق المنظورات الترامبية المحمومة وغير المعتادة، المنحازة للأغلبية البيضاء المسيحية، إليهم. ومن المعلوم أن أكثر من 70 % من الناخبين اليهود الأميركيين لم يصوتوا لصالح ترامب.

كان هذا التباين مؤشراً لا تخطئه البصيرة على مراعاة الأخيرين لأولوية الانتماء لمصالحهم الذاتية في رحاب المجتمع الأميركي، حتى ليصح الادعاء بأن لسان سلوكهم يقول بأنهم أميركيون أولاً.

الآن لدينا نموذج آخر للاختلاف والتشاكس، يوحى بصحة هذا الادعاء.. فقد ضغطت المؤسسة الأميركية اليهودية بشدة، لأجل أن تسمح الحكومة الإسرائيلية بالصلاة المختلطة بين النساء والرجال، أمام ما يسمى صهيونياً بحائط المبكى في القدس.

وهو تقليد مستوحى من الثقافة الأميركية العامة، ويؤكد إشعاعها على الطائفة اليهودية، ومن شأنه مخالفة السائد والمتعارف عليه من الفصل بين الجنسين في الصلوات اليهودية. والذي حدث، أن حكومة نتنياهو كادت تنصاع للضغوط وتقر هذا التقليد، لكنها جمدت العمل به اتقاء لغضب الأحزاب الدينية في إسرائيل.

يدور هذا الخلاف حول كيفية أداء اليهود للصلاة عند حائط البراق، الذي يملكه المسلمون بالمعنيين التاريخي والحقوقي. إنهم يتجادلون حول ما ليس لهم بحق.. لكن ما يعنينا أكثر في هذا المقام، أن طرفي التناظر من اليهود في الولايات المتحدة وإسرائيل، ليسا على سوية واحدة، حتى في ما يخص شعائر دينية تبدو بطبيعتها غير قابلة للتفاوض..

والأهم أن الأميركيين اليهود راحوا يكشرون عن أنيابهم، ويتوعدون بخنق إسرائيل، مالياً بحجب التبرعات والمعونات السخية عنها، وتهديدها أمنياً بتقليص الدعم واسع النطاق الذي يقدمه اللوبي اليهودي النافذ في الكونغرس وعملية صناعة القرار في واشنطن.

مناظرات الإسرائيليين ومساجلاتهم بشأن هذه الواقعة، تفصح عن الغيظ الشديد من لغة الوعيد، التي فجرها اليهود الأميركيون.. والإسرائيليون هنا بين متخوف من توابع مواجهة غير مرغوب فيها مع أقوى ظهير لهم في هذا العالم، وبين راغب في خوض هذه المكاسرة إلى منتهاها، ولو من باب التجربة.. تجربة ادعاء البطولة والقدرة على الصمود بمعزل عن «هرطقات» بعض الأميركيين اليهود.

معظم كهنة المشروع الصهيوني، يدركون حجم الأضرار التي ستقع على رأس دولتهم، إن بلغت التناقضات بين يهود هذه الدولة ويهود العالم، ولا سيما الأميركيين منهم، حد القطيعة.. وفى ذلك يقول قائل منهم إن «.. تراجع بنسبة 1 % من مساهمات يهود الشتات في الاقتصاد الإسرائيلي، يؤدى إلى خسارة 1800 وظيفة إسرائيلية..».

الأرجح والحال كذلك، أن المبادرة إلى إعادة الحسابات ستأتي من الجانب الإسرائيلي أولاً، وليس من طرف الأميركيين اليهود خلف أعالي البحار.

 

 

Email