تموز وعشتار.. الخصب والنضج

ت + ت - الحجم الطبيعي

تموز في الأسطورة العربية، هو شهر الخصب والنضج. وفي البابلية والأشورية، هو قصة تموز وعشتار، أما في الأدبيات السياسية، فهو شهر الثورات الكبرى، التي غيرت وجه العالم. فيه اشتعلت الثورة الفرنسية عام 1789، والمصرية 1952، والعراقية 1958، الحرب العالمية الأولى 1914، وأميركا فجرّت قنبلتها الذرية (التجريبية) 1941، فاتحة باباً لجحيم لا يرحم.

وفي تموز 1099 سقطت القدس، ثم استردها صلاح الدين بعد 88 عاماً من الصليبيين. وفي تموز أيضاً قام البرتغالي ماجلان برحلته الشهيرة عام 1519 ليثبت كروية الأرض، وأنها ليست مركزاً للكون.

وفي هذا الشهر أسقط القمر من عيون الناس، فبعد أن كان نبراساً للحب وإلهاماً للشعراء، غدا صحراء قاحلة لا حياة فيه، حين وضع أرمسترونغ قدمه عليه في تموز 1969.

غير أن أشهر وأقدم القصص عن تموز، ما جاء في الكتابات السومرية، نظراً لكون الكتابة اختراعاً سومرياً، وقد ورث هذا البابليون والأشوريون وكان تأثير ثقافة وادي الرافدين بارزاً، بسبب طول فترة هذه الحضارة ورقيها.

وتختلف قصص الآلهة قليلاً حسب المدينة والزمن، إلا أن الصفات الرئيسة تبقى في القصة. وأهم هذه القصص، هي قصة تموز وعشتار، فقد كان تموز إله النباتات والماشية والمأكولات، وكان يسمى أيضاً الراعي.

أما عشتار، التي كانت أكثر أهمية من تموز، فقد كانت آلهة الحب والإخصاب والحرب، وكانت الآلهة الرئيسة لمدينة الوركاء، وآلهة مرموقة في كل مدينة في وادي الرافدين، ومن الممكن تمييز الآلهة في آثار وادي الرافدين، نظراً لوجود النجوم المصاحبة للرسم الذي يرمز إلى الآلهة، وقد كان من رموز الآلهة، عشتار النجمة الثمانية وكوكب الزهرة، وكان والدها سين إله القمر، وكانت هي أخت شمش إله الشمس، مكونة ثالوثاً مهماً من الشمس والقمر والزهرة، فقد كان الرقم ثلاثة ذا أهمية خاصة في وادي الرافدين، ويشاركه في هذا الرقم سبعة.

وقد أعطى السومريون، حسب دراسة للكاتب زيد خلون جميل، الآلهة عشتار كل الصفات الأنثوية، فهي تحب وتغوي وتهجر وتنتقم وتخون، وقصتها الرئيسة تتمحور حول علاقتها بزوجها الإله تموز، التي تطورت إلى قصص أخرى كثيرة، استمرت لآلاف السنين في مناطق عديدة من العالم. عشتار هو الاسم السامي للآلهة، وهي كلمة تعني الآلهة، حيث كان الاسم السومري آنانا، والشيء نفسه بالنسبة لتموز، حيث كان اسمه السومري دموزي، ويعني الابن البار.

كانت الآلهة عشتار بالغة الجمال والذكاء، وعرفت بجرأتها وخبثها، فحسب الكتابات السومرية، أرادت عشتار أن تدخل الحضارة إلى «الوركاء»، وكان من يملك النواميس الإلهية لفنون الحضارة، هو الإله انكي، إله الحكمة والمعرفة، الذي كان يعرف ما تنطوي عليه قلوب الآلهة، فأرادت عشتار زيارة انكي لأخذ النواميس. وما إن عرف الإله انكي بقدوم الآلهة عشتار، حتى أمر باستقبالها بكل ترحاب، إلا أنه كان قد قرر عدم إعطائها النواميس، أو على الأقل، ليس بهذه البساطة. وعندما جلس الاثنان على المائدة، أخذ الإله انكي يسرف في الشراب والكرم حتى نسي حذره، فأعطاها ما أرادت، وعندما أفاق الإله انكي في اليوم التالي، ذهل لاكتشاف ما حدث، فأمر بعمل كل شيء لاسترداد النواميس، ولكن دون جدوى، وبذلك أصبحت الوركاء متحضرة.

تقدم الإله تموز لخطبتها عن طريق الاتصال بشقيقها، ولكن كان لعشتار رأي مختلف، فقد كانت مغرمة بفلاح يدعى انكي- امدو، وقد وافق الشقيق، ولكن هذا لا يكفي، فالمهم موافقة صاحبة الشأن؛ فواجهها الإله تموز بنفسه، ووعدها بكل ما تتمناه، وبعد جهد جهيد، وافقت عشتار، وغضت النظر عن ذلك الفلاح. وتقابل الإله تموز والآلهة عشتار مرات عدة مساء، وكما هو الحال مع العشاق، فإن هذه اللقاءات لم تخلُ من المشاجرات، خاصة أن الآلهة عشتار كانت تشعر بعلو نسبها، فتتعالى أحياناً على تموز، الذي كان يغضب لذلك، ولكن هذه المشاكل الصغيرة لم توقف مسار العاشقين.

وأخيراً، تزوج العاشقان ليعيشا في «بيت الحياة»، وهي تسمية ذات دلالة، فبوجود آلهة الخصب وإله الطعام تستمر الحياة.

ترى، ماذا يحمل لنا ما تبقى من تموز؟ هل تموج المنطقة العربية بتطورات تحرق اليابس، فالأخضر احترق فعلاً، وصار رماداً في العيون؟!

Email