قطر فوق الشجرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الذي يتبع الثاني؟ قناة قطر أم دولة «الجزيرة»؟ سيكون من الصعب على حكام الدوحة الاستجابة لطلب إغلاق قناة الفتنة الوارد ضمن مطالب الدول المقاطعة، فالأمر يتعلق بهوية السلطة الحاكمة في البلاد، وبطبيعة الكيان القطري الذي صار يعتمد على إثبات حضوره وجدواه في المنطقة والعالم من خلال قناة الجزيرة وقاعدة العديد، قبل أن يتجه لدعم حزامه السياسي والأمني بقاعدة تركية وقرابة مع إيران.

من لندن كانت البداية كما يقال أوان كان حمد بن خليفة طالباً في الأكاديمية العسكرية، هناك كان يُسأل من زملائه ومعارفه الجدد: من أي البلاد أنت؟ فيجيب بأنه من قطر، ثم يجد نفسه مجبراً على الاستنجاد بالخريطة لتحديد موقع بلاده.

الأمر الذي يجعله يشعر بألم شديد لأن الناس لا يعرفون شيئاً عن بلده الصغير، وعوضاً من أن يقتنع بأنّ حجم المساحة لا يفسد للانتماء قضية، ركبته فكرة الاستعداد لفعل أي شيء وكل شيء من أجل أن تصبح قطر بلداً يتحدث عنه الناس بأي وسيلة كانت حتى ولو بدعم الإرهاب.

اندفع حمد في بدايات 1996 إلى تبني فكرة الأخوين الفرنسيين الإسرائيليين جان ودافيد فريدمان بتأسيس قناة تلفزيونية إخبارية تصدم العرب من المحيط إلى الخليج، وتفتح باب التواصل مع إسرائيل بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.

وتجعل اسم قطر متداولاً في كل أرجاء العالم، ونظراً لأن الظروف الاقتصادية لم تكن ملائمة حينها، اقترض الأمير 150 مليون دولار لإطلاق المشروع، وحصل على منحة من الأخوين فريدمان قبل أن يتخلص من التعامل معهما بعد ذلك، حيث آثر أن يبدو ظاهرياً مستقلاً عن تأثيرات تل أبيب، ليكون أقرب إليها من وراء الستار ثم علانية فيما بعد.

وسيكتشف العالم بعد ذلك، أن القناة التي تدعي الدفاع عن الحريات، وتتبنى الرأي والرأي الآخر، كانت مرتبطة مباشرة بالمخابرات الأميركية، وهو ما فضحته وثائق ويكيليس عن طبيعة العلاقة بينهما.

اعتقد حمد أن قناة الجزيرة يمكن أن تكون حصان طروادة الذي سيقلب الأنظمة العربية جميعاً باستثناء نظامه، وقدم لحلفائه الغربيين نموذجاً عن ذلك من خلال الفبركات والأكاذيب التي أعدتها القناة في غرف مظلمة لإطلاق ما سمي «الربيع العربي»، والتي تحولت لأدلة وأسانيد ضد الأنظمة بتحريض مباشر من إدارة أوباما المتحالفة مع الإخوان عبر الوسيط القطري الذي تحول إلى عرّاب للجماعات الإرهابية.

وسيذكر التاريخ حجم تلك الأكاذيب والفبركات في ما يخص أحداث تونس وليبيا ومصر وسوريا، والتي كانت وراء سفك دماء عشرات آلاف الضحايا وخسائر اقتصادية ومالية للعرب بلغت ما يقارب التريليون دولار.

ورث تميم من والده تاريخ المؤامرة وآثر الاستمرار في المشروع بالأدوات ذاتها التي أضحت تمثّل أعمدة الكيان السياسي القطري: الجزيرة والمال والإرهاب وعصابات الإخوان والحقد على الجار والشقيق ونزعة التوسع من فوق حدود الجغرافيا، ورغم ظهور بوادر فشل ما سمي الربيع العربي، استمر حكام قطر في تحريك خيوط التآمر ضد الجميع، يحسبون أنهم من خلال «الجزيرة» والمال سيتحكمون في مصير المنطقة، وسيدفعون بالإخوان إلى حكم الأوطان بعد أن يكون الإرهاب قد مهد لهم الطريق.

لن يقبل تميم باستبعاد «الإخوان» لأنّ المشروع لا يزال قائماً في أذهان حكام قطر، ولن يقبل كذلك بتخفيض مستويات العلاقة مع طهران ولا إغلاق القاعدة التركية أو قطع الصلة بالإرهاب، لأن جميع هؤلاء يمثلون وحدة التكامل التآمري على دول وشعوب الخليج والعرب.

أما «الجزيرة» فهي هوية نظام الدوحة، وسيلة الضغط والمساومة، وغرفة التحكم والسيطرة، وعش العنكبوت الاستخباراتي، ورأس الإخطبوط الذي تتحرك أصابعه بالأذى في كل مكان، وإغلاقها يعني للصغار أنهم فقدوا أداتهم لإزعاج الكبار ومماحكة الشقيق والجار.

المشكلة أنّ النظام القطري صعد إلى أعلى الشجرة وبات عاجزاً عن النزول، وتمنعه المكابرة والعزة بالإثم من طلب المساعدة.

 

 

Email