قطر تلجأ إلى صندوقها السري

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يجد حكام قطر غير الصندوق السري يلتجؤون إليه كعادتهم، منذ أن اكتشفوا أهمية المراهنة عليه قبل أكثر من عشرين عاماً، عندما انقلب الإبن على أبيه، وقوبل بين أهله وجيرانه بالرفض والامتعاض، فاتجه ليطرق باب الغموض في غرفة العمليات المظلمة، وما إن فّتح له الباب مواربة، حتى اندفع إلى ركن المؤامرة، ليعلن مبايعته التامة لأصحاب القرار فيه، واستعداده الكامل لخدمتهم مقابل أن يسمحوا له بالاستقواء بهم على أشقائه.

ومن ذلك الصندوق، خرج حكام قطر بجملة الأفكار الجهنمية: قاعدة عسكرية تحتل نصف البلاد، وقناة فضائية أكبر من حجم الدولة، وعلاقات إخطبوطية مع متناقضات المنطقة والعالم، ومراكز للجوسسة والتآمر في الداخل والخارج، ودهاليز معتمة لاستقبال كل متطرف وإرهابي وخائن لوطنه، وعميل للأعداء.

ومن ذلك الصندوق، تعلّم حكام قطر أن يتمردوا على القيم والأعراف والثوابت ومبادىء الأخوة والجوار، ووجدوا من يقنعهم بأنهم سيحكمون المنطقة، وسيغيرون خريطة العالم، وسيتجاوزون حجمهم بكثير، طالما لديهم المال الوفير، والاستعداد لتنفيذ الأوامر الشيطانية المرسلة إليهم من وراء البحار.

وأول ما تعلمه حكام قطر من الصندوق السري أن ينسوا شيئاً اسمه الأخلاق في السياسة، أو الصدق في القول، أو الوفاء بالعهود والمواثيق، أو الاحتكام للقانون والعرف، وأن يتعلموا أن الغايات الحقيرة تبرر الوسائل القذرة، وأن لا قيمة للدماء المسفوكة والدموع المذروفة والأحلام المسروقة والثروات المنهوبة، طالما أنها تصب في خدمة وهم السيطرة والتحكم، وأن يتحصنوا دائماً بمبدأ إيذاء غيرهم، خصوصاً عندما يكون شقيقاً أو جاراً أو ابن عم، وأن يتعلموا من السوس كيف ينخر، ومن العقرب كيف يغدر، ومن الضب كيف يخدع.

وألّا يستمعوا إلى لوم أو عتاب، وأن يبطؤوا في الرد والجواب، وأن يتظلّموا وهم الظالمون، وأن يتبرؤوا وهم المذنبون، وأن يجعلوا من الدين وسيلتهم للخداع، ومن يستغلوه بقدر المستطاع، وأن ينزعوا عنه القداسة، ويحولوه إلى أداة في لعبة السياسة، وأن يستقطبوا كل حاقد في قلبه مرض، فهو ينفذ الأوامر ولا يعترض، وكل من يبيع انتماءه، يمشي ولا يلتفت وراءه، يتاجر بالوطن والدين، ويحنث بالوعد واليمين.

والصندوق السري المقصود، هو اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الذي اعتاد حكام قطر، على أن يعودوا إليه كلما ضاق بهم الحال، ليتلقوا منه النصيحة والمشورة، بعد أن ارتبطوا معه بعلاقات وحسابات ومؤامرات، وشربوا معه نخب مآسي العرب والمسلمين، من السنغال إلى حدود الصين، فما خلت بلاد من الإرهاب إلا ما ندر، وما تشكلت جماعة إرهابية إلا وامتدت إليها يد قطر، فكانت النتيجة التي لا تحتاج إلى دراسة وتحليل: ما استفاد من الإرهاب القطري أحد كما استفادت إسرائيل.

في 1996، أدرك حمد بأنه معزول وغير مرغوب فيه، بعد أن استهجن أهله وجيرانه انقلابه على أبيه، فكان أن جاءه من ينصحه بأن حمايته لا يضمنها إلا الأميركان، وأن اللوبي الصهيوني هو من يحقق له هذا الرهان، ولكن الوصول إلى ذلك اللوبي يحتاج إلى دليل، يبدأ من مد اليد إلى إسرائيل، ومنذ ذلك الحين وحكام قطر يلعبون على حبال تلك العلاقة المصيرية، غير آبهين بمصالح أمتهم العربية.

ووجدوا في مطامع الإخوان، واستعدادهم الكامل للتحالف مع الشيطان، ما ساعدهم على بلورة مشروع الخراب، استناداً إلى مناهج الفوضى والإرهاب، فكان ما كان من تمزيق للدول والمجتمعات، ومن تدمير للجيوش والمؤسسات، ومن تآمر على الأهل والجيران، ومن حبك لمخططات الغدر والعدوان، ومن تشويه لصورة الشرفاء والمخلصين، وتلميع لصورة القتلة والمجرمين.

وحتى تتجسد على الأرض مؤامرة الشيطان، كان لابد من أن يجتمع شمل قطر والإخوان مع تركيا وإيران، تنفيذاً للأجندات الخفية، تحت مظلة المصالح الإسرائيلية.

ولأن الصندوق السري هو الذي يدير كل تلك المصالح والحسابات، لجأ إليه حكام قطر، خوفاً من مزيد العزلة والعقاب المنتظر، ولكن يبدو أن الوقت قد فات، فقطر التي نفذت باندفاع كبير كل ما طُلب منها، أصبحت مؤهلة اليوم لعزلة أكبر دون أن تجد من يدافع عنها، ببساطة لأن من لا خير فيه لقومه وجيرانه لا خير فيه، ومن ارتمى في أحضان الغدر يوماً، سيجد الأيام إلى نتائج غدره ترميه.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداءٌ له وخصوم

 

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغياً إنه لدميم

 

والوجه يشرق في الظلام كأنه

بدرٌ منيرٌ والنساء نجوم

 

وترى اللبيب محسداً لم يجترم

شتم الرجال وعرضه مشتوم

 

وكذاك من عظمت عليه نعمةٌ

حساده سيفٌ عليه صروم

 

فاترك محاورة السفيه فإنها

ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيم

 

وإذا جريت مع السفيه كما جرى

فكلاكما في جريه مذموم

 

وإذا عتبت على السفيه ولمته

في مثل ما تأتي فأنت ظلوم

 

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

 

Email