تسييس الدين بين الماضي والحاضر

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاشت أوروبا عصوراً مظلمة في القرون الوسطى وكان السبب الرئيسي وراء تخلف تلك القارة هو سيطرة الكنيسة على مقدرات الدولة وإقامة نظام سياسي غير ديمقراطي. وتم إساءة استخدام الدين لتبرير إقحام المعتقد في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وكان من جراء ذلك إصدار رجال الكنيسة الكاثوليكية قراراً بحرق العالم والفيلسوف جيرانو برونو الذي أكمل أبحاث العالم كوبرنيق حول دوران الأرض حول الشمس. واعتبر رجال الكنيسة الكاثوليكية أن تلك النظرية تقلل من أهمية الإنسان وأهمية كوكب الأرض.

وبناء عليه قدمته الكنيسة للمحاكمة وأصدرت قرارا بحرقه. وأجبر العالم الفلكي غاليليو وهو في سن السبعين من قبل رجال الكنيسة على الاعتراف بخطئه بتأييده نظرية دوران الأرض حول الشمس لكي تبقى الحقيقة الثابتة ما يقوله رجال الكنيسة بأن الأرض هي مركز الكون وكل الكواكب والنجوم تدور حولها.

نجحت أوروبا في المرور من الظلام إلى النور ومن الماضي الأليم إلى الحاضر المتقدم إثر إبعاد الكنيسة عن التدخل المباشر في السياسة. في الوقت الذي كانت تعاني فيه أوروبا من التخلف والحروب، كان العالم الإسلامي متقدما وأنجب علماء مثل ابن سينا والخوارزمي ومد أوروبا بالمراجع التي ساعدتهم في التقدم.

وللأسف الشديد فإن ماضي أوروبا هو حاضر العالم الإسلامي الذي يخلط فيه البعض الدين بالسياسة. ومن هنا يعاني العالم الإسلامي من مشكلات أوروبا في العصور الوسطى. ما يجعلنا بحاجة لوقف استغلال الدين في السياسة ورفض تسييسه بصورة قاطعة.

ومن المؤكد أن القيم الدينية تتداخل مع ثقافة المجتمع ولا يمكن أن نفصل فصلاً قاطعاً ولكن التركيز على قيمة التعايش مع الآخر والرحمة بالفقراء قد تساهم في خلق شخصية سوية وتساهم في جعل السلوك الإنساني مخففا من المشكلات التي يعايشها المواطن والمجتمعات في عالم مليء بالتنافس والسرعة والمادية.

إن الروحانية مهمة بقدر أن تقوم سلوك الإنسان وابتعادها عن تفاصيل السياسة. إن ما جري لعلي عبد الرازق ونصر حامد أبوزيد وفرج فودة هي أمثلة على أن كل من يقترب من مساحة استغلال الدين في السياسة كما تفعل الجماعات المتطرفة. ويذكر أن هؤلاء اقتربوا من ما يعرف بالإسلام السياسي.

فكل محاولة لنقد تسييس الدين تقابل بسخط الجماعات الظلامية المتطرفة تصل إلى حد القتل مثلما حدث مع فرج فودة. يضاف إلى ذلك هناك مثال حكم الإخوان المسلمين القصير في مصر الذي أوضح أن من يحكم خالطاً الدين بالسياسة مصيره الفشل لأنه لا يجب تسييس الدين ويجب وضع الدين في إطار المجال الخاص وفي صورة قيم في المجال العام.

لا يجب أدلجة الدين وتسييسه حتى لا نقع في المحظور ونواجه مشكلات الاستبعاد والكراهية والعنف. إن وضع الدين في المجال الخاص لا يعني بالضرورة استبعاده من المجال العام، ولكن يكون بدرجة تجنبنا ويلات سيطرة قوى تسييس الدين بأفكارها المتطرفة على المجال العام.

ويستفيد المتاجرون بالدين كثيرا من حالات أدلجة المعتقد الإيماني فيما لا يندر أن يستغل رجال السياسة تسييس الدين. بينما يعاني الأبرياء من عمليات العنف باسم الدين، والنظر إلى الأوضاع في العراق وسوريا وبعض دول أوروبا وغيرها هو أكبر مثال على ذلك. فمثلا قتل الآلاف في العراق وسوريا من جراء الاستخدام غير الأمين للدين في تبرير عمليات القتل والتعذيب.

وهنا، توصلت إلى خلاصة وقلتها العديد من المرات في محاضرات ومقابلات تليفزيونية وهي أن تسييس الدين أو تديين السياسة يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. بينما تعدد الآراء وقبول الخطأ هو السبيل للتقدم العلمي والتنمية والديمقراطية.

 

 

Email