خارطة المعارك في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع قرب انتهاء الحرب ضد داعش في العراق، تتخذ العمليات العسكرية في سوريا منحى جديداً بعد أن طرأت بعض التغيرات على خرائط الحضور العسكري على الأرض، خاصة على الحدود العراقية السورية بعد وصول القوات السورية إلى هذه الحدود بين التنف والبو كمال، ووصول الحشد العراقي إليها في دير الزور، وبعد أن ظهرت بوادر عن سعي روسي لحجز مقعد أمامي في مسرح الحرب على داعش عبر ترويج قصفها مواقع التنظيم وقتل البغدادي زعيم التنظيم، خاصة أنه لم يكن لها دور يذكر في الحرب على هذا التنظيم في سوريا، ناهيك عن غيابها كلية عن الساحة العراقية.

دخلت الولايات المتحدة مسرح الصراع السوري متأخرة، فإدارة أوباما لم تجد سبباً للتدخل لأنها تعتبر سوريا منطقة مصالح روسية موروثة عن الحقبة السوفييتية لا تشكل خطورة على المصالح الأميركية في المنطقة. وكان دخولها لهذا المسرح حذراً جداً، مقتصرة في عملياتها على استهداف داعش.

إلا أن الصورة تغيرت بعض الشيء مع مجيء ترامب، فعلى الرغم من حرصه في حملته الانتخابية على التأكيد بضرورة إبعاد الولايات المتحدة عن الحروب العبثية في المنطقة، إلا أنه وجد نفسه ينجر تدريجياً للدخول في الصراع الدائر في سوريا، حيث أصبحت قواته في حالة حرب مع النظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الله، وفي حالة توتر شديد مع حليفته تركيا وحالة شد وتنسيق حذر مع الخصم الروسي.

لا مناص من التصعيد العسكري في المستقبل القريب فالقوات المتعددة الهويات والأهداف في الساحة السورية في سباق لشغل الفراغ الذي سيتركه داعش في الرقة ودير الزور حيث تسعى إيران لتأمين طريق بري إلى ساحل البحر المتوسط والتواصل مع حزب الله.

فمن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة طوراً جديداً في هذه الحرب وتحول في الأهداف الأميركية نحو الهدف النهائي وهو مواجهة مع إيران وميلشياتها، فالرهانات على ذلك تزايدت مع انتخاب ترامب الذي يتخذ موقفاً متشدداً حيال إيران.

هناك تحالفان هشان يتسابقان لملء الفراغ الذي سيتركه تنظيم داعش ليحتلا موقعاً أفضل في مفاوضات التسوية ما بعد الحرب، الأول هو التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة ويضم المقاتلين الأكراد وبعض القبائل العربية المحلية تحت مسمى قوات النخبة، والثاني مكون من قوات الأسد والميليشيات المدعومة من إيران والطائرات الروسية وحزب الله، وهو تحالف أضعف تأثيراً على مسارات الحرب في الرقة، وأقوى في التأثير على مساراتها في منطقة الحدود العراقية السورية.

هذا التحول في الحرب يلقى تفهماً وربما موافقة من قبل روسيا من منطلق براغماتي، فهو لا يستهدف بشكل مباشر النظام السوري الذي يحظى بدعمها وربما يريحها من قيود الوجود الإيراني الكثيف إلى جوارها في سوريا، فضلا عن أنها قد تحصل، إن لم تكن قد حصلت، على بعض المكاسب في إنجاز هكذا مقايضة.

من هذا المنظور أصبحت معركة الحدود حيوية للأطراف المشتركة في الصراع، حيث وجهت الولايات المتحدة في هذا السياق ضربات لقوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه في خمس مناسبات، منها إسقاط طائرة للنظام وأخرى للمليشيات الإيرانية.

فلهذه المعركة بعد استراتيجي يتصل بالصراع المعلن والخفي الذي تخوضه كل من إيران وتركيا والولايات المتحدة الذي ظل مؤجلاً لفترة طويلة بحكم الانشغال بالداخل العراقي.

ولها كذلك أهمية حيوية جدا بالنسبة لإيران، فحين تفرض الميليشيات الموالية لها السيطرة على قطاع مهم من هذه الحدود يصبح الجسر البري للبحر المتوسط سالكاً، وهو أمر تتوجس منه تركيا وينذر بالخطر لحلفاء الولايات المتحدة.

إلا أن هناك صعوبات بالغة أمام إقامة جسر كهذا وإدامته لأنه سيكون هدفاً مكشوفاً أمام الطائرات الأميركية المنطلقة من القواعد الجوية التي أنشأتها الولايات المتحدة بشكل غير رسمي شرق سوريا إثر التدخل الروسي في خريف 2015. أما روسيا فقد تعمد للاسترخاء وعدم التدخل في معارك الحدود هذه، فشرق سوريا أقل أهمية لمصالحها الاستراتيجية ولمصلحة النظام السوري من غربها حيث توجد قواعدها البحرية والجوية.

في ضوء ذلك من المرجح أن يكون للولايات المتحدة وائتلافها اليد العليا في تقرير مصير هذه الحرب، ما يسمح لها بطرح مستقبل النظام السوري على مائدة التفاوض مع روسيا.

Email