عيدٌ بأية حالٍ صرتِ يا قطرُ

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما رأيت هرولة الحكومة القطرية لتتمسّح بأعتاب حكومة روحاني وحكومة أردوغان واستجداءها لكي تجد فوق أراضيها وأمام مباني مؤسساتها الحيوية وبين منازل مواطنيها قوات «الباسداران» أو الحرس الثوري الإيراني وفيالق الـ«كارا كوفيتلري» من القوات البرية التركية كلما تذكرت تلك المقولة الساخرة الحكيمة التي تصلح أن تكون لسان ساسة طهران واسطنبول بأنّه «في كل صباح يدعو الحانوتي ربّه: يالله بميّت»!

أتى العيد وحكومة قطر قد اختارت لنفسها ولشعبها أن يكونوا مقطوعين عن إخوانهم وأهلهم، وعندما يخرج الناس لتبادل التهاني بهذه المناسبة السعيدة نجد أهل قطر لا يكادون يرون إلا ما جرّته عليهم مراهقات حكومتهم ومؤامراتها التي لا تريد أن تتوقف، ولا تقع أعينهم إلا على بؤس دفين مهما حاول الناس «مرغمين» أن يُبيّنوا أنهم بخير حال حتى لا تلحظ تذمّرهم عين «مسمار» أو تلتقط كلمةً شاردة أُذُن «مترصّد»!

أتى العيد ولا أحد يجرؤ في الدولة الصغيرة حجماً التي اكتشفنا من «بلايا» حكومتها أنها صغيرة عقلاً أيضاً وما زال أهل البلد لا يجرؤون على سؤال «لماذا؟»، ولا يقدرون على النظر للجانب الحقيقي من المشكلة مع الشقيقات الخليجيات ولكنهم انساقوا فلا يرون إلا تلك المشاكسات الصبيانية لحكومتهم وإعلامها المرتبك التي لا يُراد منها إلا تشويش رؤيتهم لحقيقة الأمر وساس الداء، لأنّه لو حدث ذلك فإنّ الحكومة ستكون وحيدة عاريةً على المسرح متلبسة بتاريخٍ مهول من التآمر ونشر الفتنة وسجلات مطوّلة من بحار الدماء التي تسببت بها من العراق وحتى تونس.

أتى العيد والدولة الصغيرة مختنقة بمن بها، هنا قاعدة عسكرية أميركية، وهناك قاعدة عسكرية تركية، وبهذا المكان قوات الحرس الثوري وهو المسؤول الأول عن قتل وتدمير المدن والقرى السُنّية في العراق وسوريا والأحواز العربية.

بينما حاخامات إسرائيل يروحون ويجيئون منذ سنوات وكأنهم «أهل الدار»، وألوفٌ مؤلفة من تنظيم الإخوان المسلمين يستقرون بها ويتحكمون فعلاً لا توقعاً بمفاصل الحكومة القطرية ويُسيّرون بوصلة سياستها كما يشاؤون، وأهدرت عليهم وعلى مشاريعهم أكثر من 64 مليار دولار كان الأولى أن تنفق على مشاريع تخدم شعبهم فهو أولى بها وهي ثروته وثروة أجياله القادمة التي يبدو أن حمد بن خليفة لن يترك لهم منها شيئاً سوى أراض جدباء مُحتلّة وخزائن فارغة ومستقبلاً مظلماً!

أتى العيد وتلك الحكومة التي سوّقت نفسها بعمولات ما تحت الطاولة بأنّها أحد أكثر الاقتصادات نمواً في العالم، ولتهلّل بذلك آلتها الإعلامية ومرتزقتها الذين لا يكتبون إلا عندما يصلهم إشعار التحويل المالي من البنك، ويُصدِّق المواطن القطري هذا التدليس والدجل.

ثم يصحو فجأة وبعد يوم واحد فقط لا غير من المقاطعة الخليجية بأنّ اقتصاده «العالمي» الذي تغنّى به طويلاً وتحدّى به كل مَن حوله لم يستطع بناء «كُشك» لإنتاج الزبادي، إي والله الزبادي وليس مكوك فضاء أو مفاعلاً نووياً، لتضطر لاستيراده من أراضي «المعزّب» التركي بأسعار مضاعفة للغاية، حقيقة لا أستغرب ذلك الفشل منهم، أليسوا هم مَن لم يجدوا ما يضيفونه كمنتج يُشكّل قيمة عالية لمتاجر هارودز سوى بيع الكرك والجباتي؟

أتى العيد وما زال استغفال الناس نهجاً لدى تلك الحكومة التي لا تريد أن تنضج، ويخرج علينا النائب العام القطري ليكشف سرّاً عظيماً بأن الاختراقات التي حدثت لوكالة الأنباء القطرية تمت من خلال أجهزة «آيفون»، ثم أكمل بنبرةٍ عالية بأنّها من الدول التي قاطعت قطر تحديداً، توقعت أن يأخذه الحماس ويقول إنّها هواتف عادل الجبير ود. أنور قرقاش، ليمسي ذلك التصريح محط سخرية وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن أكّد التقنيون «استحالة» أن يتم ذلك من خلال الآيفون لمثل هذه المنصات الإعلامية، ثم يأتينا صوتٌ نعرفه لأنّه عراب التخريب الأول خلال ما سُمي زوراً بالربيع العربي .

وهو حمد بن جاسم من خلال قناة أجنبية ليطلب من السعودية والإمارات والبحرين النظر لقطر كشقيق أصغر و«بلدٍ صغير»، معتبراً أن ما حدث لامس نزاهة الدوحة، وأن التغطية الإعلامية للمقاطعة جاءت بشكل لم تعتد عليه قطر، سبحان الله، أكثر من عشرين عاماً وجزيرتكم تشتمنا ليل نهار لكنّكم لم تحتملوا أسبوعين من الردود الصارمة عليكم، ما دمتم شقيقاً أصغر فلماذا تصرّون على إيذاء أشقائكم الكبار؟ «أليسَ فيكم رجلٌ رشيد»؟

هذا الردح والتدليس ومحاولات ذر الرماد في العيون ليس إلا لأنهم يخشون أن تسقط ورقة التوت الأخيرة لتُعرّي أفاعيل هذه الحكومة الميكافيلية أمام العالم وتزيح اللثام عن وجهها القبيح ونهجها العدائي ورعايتها لجماعات تنشر الموت والخراب فيمن حولها، تخشى أن ينفضّ عنها بقية المستثمرين، تتباكى على مَشاهِد الإعلام و تحاول تحريك «الدُّمى» التي اشتروها في الحزب الديمقراطي الذين ما زال لبعضهم صوت في وزارة الخارجية الأميركية ليخرجوا بمثل ذلك التعليق الساذج للمتحدثة باسم الوزارة الذي يناقض توجّه البيت الأبيض.

ثم كانت الصفعة الأقوى من الاتحاد الأوروبي الذي رفض اعتبار المقاطعة حِصاراً، المشكلة أن الوقت تبدّل والمسرح اختلف والمؤلف تغيّر لكنهم ما زالوا يريدون أن يقوموا بذات الدور القديم!

أتى العيد وقطر فوق ورطتها السياسية الأخلاقية تعاني اقتصادياً وعاد صندوقها السيادي ليضخ الأموال في بنوكها المحلية للمرة الأولى منذ الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم يتم نقل حيازة أسهم محلية بقيمة 30 مليار دولار لوزارة المالية لإيقاف الكارثة القادمة، بينما خفّت على مسار آخر، لكنّه مرتبط بالقدرة المالية للدولة الصغيرة، وتيرة الهجمات الإرهابية في سيناء وليبيا واليمن!

الحل في أيديهم والمطالبات الخليجية أمامهم ومَثَلنا العامي يقول «اتبع السروق لين بيت هَلِه»، المؤلم أنّ أغلبنا يعلم ماذا سيكون ردّ حكومتهم، هي دولة تم اختطاف قرارها السياسي منذ زمن، وهو عيدٌ و لكن بأيّة حالٍ صرتِ يا قطرُ!

 

 

Email