شهر التأمل.. ما الذي نقوم به للحد من هدر الطعام؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلاقاً من الرؤية المستقبلية الثاقبة للقيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وإدراكها بأن قضايا التغير المناخي والأمن الغذائي والاستدامة من المواضيع الأساسية ذات الأولوية، فإننا محظوظون اليوم لنكون إحدى أكثر الدول الآمنة غذائياً في العالم.

وذلك على الرغم من اعتمادنا الكبير على الواردات الغذائية والتحديات التي يواجهها الإنتاج المحلي للمواد الغذائية بسبب ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة وقلة الأراضي الصالحة للزراعة.

ولكوننا مركزاً استراتيجياً للتجارة العالمية، فإننا نمتلك إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية من جميع أنحاء العالم، وتتوفر عبر الدولة تشكيلة واسعة من خيارات الطعام المتنوعة.

وفي إطار ذلك كله، فإننا، وفي كثير من الأحيان، لا نتناول كل الطعام الموجود على أطباقنا أو قد تتعرض المواد الغذائية من اللحوم والخضروات المخزّنة في ثلاجاتنا للتلف والفساد، وذلك لأسباب مختلفة، منها إعداد كميات كبيرة جداً أو طلب ما يفوق حاجتنا من الطعام، أو التسوّق المفرط وغير المخطّط له، أو نسيان تاريخ انتهاء صلاحية المواد الغذائية.

ولكن مهما كانت الأسباب، فإن النتيجة واحدة، وهي أن الطعام المهدور يضرّ بكل من اقتصادنا وبيئتنا.

فنحن نهدر مواردنا الطبيعية الثمينة، وخاصة المياه الجوفية سريعة الاستنزاف والمستخدمة في الإنتاج المحلي للخضراوات والفواكه، كما إن تكاليف استيراد المواد الغذائية تذهب دون جدوى عندما يصبح مصير المنتجات الغذائية الهدر أو التلف، حيث تشير تقديرات بنك الإمارات للطعام إلى أن هدر الغذاء يكلّف الاقتصاد الإماراتي ما يصل إلى 13 مليار درهم سنوياً.

وعلاوة على ذلك، فإن المواد الغذائية التي ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات تطلق غاز الميثان، الذي يساهم في زيادة الاحتباس الحراري العالمي بشكل أكثر خطورة من غاز ثاني أكسيد الكربون.

إن قضية هدر المواد الغذائية تحظى بأولوية خاصة، ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، بل في مختلف دول العالم، كونها ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة الناس وظروفهم المعيشية والاقتصادية.

وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن ثلث المواد الغذائية المنتجة تتعرض للتلف أو الهدر عبر مختلف المراحل، بدءاً من الإنتاج الزراعي، والتجهيز، والنقل، والتخزين، ووصولاً إلى المستهلك النهائي.

فهناك 1.3 مليار طن من المواد الغذائية تهدر سنوياً، أي ما يعادل 2.6 تريليون دولار على المستوى العالمي، بما في ذلك التكاليف الاجتماعية والبيئية، كما إنها تشكّل حوالي 8٪ من انبعاثات غازات الدفيئة.

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من إنتاج ما يكفي من المواد الغذائية، إلا إنه لا يزال هناك اليوم حوالي 795 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل فرد من كل 9 أفراد، يعانون سوء التغذية.

ولهذا السبب، وضعت الأمم المتحدة هدفاً لخفض معدل هدر الغذاء العالمي إلى النصف بحلول عام 2030، وذلك كجزء من أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الدول كافة في عام 2015.

فماذا يتعين علينا القيام به هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ نحن بحاجة إلى توحيد الجهود لإيجاد حلول مبتكرة وفعّالة لتقليص كميات الطعام التي يتم هدرها، وخاصة خلال شهر رمضان المبارك، الذي غالباً ما نلاحظ فيه زيادة في هدر المواد الغذائية.

وقد وجدت دراسة استقصائية أجراها معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، وشملت 45 فندقاً، أنه يتم تناول 53٪ فقط من وجبات الإفطار.

وخلال فعالية نظمتها وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركة «وينو» لحلول الحد من هدر الغذاء بهدف التوعية بأهمية الحد من هدر الغذاء خلال شهر رمضان، ناقش ممثلون عن قطاع الضيافة أهمية حساب كمية المواد الغذائية التي يتم هدرها في المطابخ، حيث أثمر وزن وتتبع الطعام المهدور إلى تقليصه بنسبة تجاوزت 50٪ في بعض الحالات، وإلى إمكانية التخطيط لإعداد الطعام بشكل أفضل.

كما يتجه قطاع الضيافة نحو تقديم خدمات انتقائية على خدمات البوفيه لتقليل هدر الطعام، ونأمل في أن نرى تطبيق هذه الجهود والحلول المبتكرة عبر كافة أنحاء الدولة.

نحن بحاجة أيضاً إلى التعاون المشترك على إعادة توزيع الفائض من المواد الغذائية القابلة للاستهلاك.

وقد جاء إطلاق بنك الإمارات للطعام في وقت سابق من العام الحالي كمبادرة عظيمة من صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في عام الخير للمساهمة في الحد من هدر الغذاء ومساعدة المحتاجين من خلال إعادة توزيع الطعام الفائض.

وهناك العديد من المبادرات الأخرى في مجال إعادة توزيع الطعام الفائض، مثل مبادرة «حفظ النعمة» التي أطلقتها جمعية الهلال الأحمر الإماراتية، ومبادرة «وفاء» التي أطلقتها مجموعة دبي للأغذية والمشروبات تحت مظلة غرفة تجارة وصناعة دبي، بالإضافة إلى المبادرات المجتمعية الأخرى مثل «ثلاجات بنك الإمارات للطعام».

وفي إطار مبادراتها في عام الخير، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة أخيراً مبادرة «ثلاجة الأسماك» المخصصة لجمع الأسماك المصادرة والتي يتبرع بها الصيادون ومحلات البيع وإعادة توزيعها على الأسر المتعففة بالتعاون مع الهيئات المحلية والجهات المعنية.

ومن ضمن العوامل المهمة الأخرى للحد من هدر الطعام، تغيير سلوكياتنا تجاه الغذاء من حيث أساليب الزراعة والتسوق والإعداد والاستهلاك.

وعلينا جميعاً، منتجين وبائعين ومستهلكين، أن نتمتع بمستويات عالية من الوعي والحكمة للتقليل من الهدر وتحقيق الفائدة للجميع من خلال تقليص التكاليف الاقتصادية والبيئية، وتجنب تكاليف الرعاية الصحية من خلال توفير الطعام الملائم والمغذّي.

ولكي يتحقق ذلك كله، يتعين علينا زيادة الوعي من خلال إطلاق المبادرات والبرامج المبتكرة عبر جميع المستويات والفئات في المجتمع.

على سبيل المثال، يقوم الشباب ضمن مبادرة الجامعات المستدامة، التي أطلقتها هيئة البيئة- أبوظبي، بتثقيف المطاعم حول هدر الطعام وربطهم مع مزارعي الماشية لتحويل نفايات الأغذية إلى سماد وعلف حيواني كجزء من أنشطة التوعية المجتمعية.

ولكن التغييرات السلوكية تستغرق وقتاً طويلاً ولابد من البدء في وقت مبكر. ومن هذا المنطلق، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مبادرة «الحدائق الكروية» التي تستهدف إشراك 28 مدرسة عبر الإمارات السبع لتثقيف الطلاب حول الاستهلاك المستدام وتشجيعهم على زراعة الغذاء بأنفسهم.

وبالمثل، قامت بلدية دبي بتركيب صناديق لتحويل نفايات الطعام إلى أسمدة في جميع المدارس في دبي لاستخدامها في زراعة المدارس وتجميلها، والمساهمة أيضاً في زيادة الوعي بين الطلاب.

وعلى صعيد الصناعة، تعمل مجموعة دبي للأغذية والمشروبات على رفع مستوى الوعي من خلال التشجيع على تطبيق معيار المحاسبة والإبلاغ عن تلف وهدر الأغذية، وهو معيار عالمي لتتبع تلف المنتجات الغذائية والنفايات المتولدة عبر سلسلة التوريد، حيث يمكن أن تساعد النتائج الشركات على اتخاذ تدابير استراتيجية للحد من الهدر.

كما تعمل المجموعة على تطوير منصة لتبادل المعلومات والبيانات حول المنتجات لخفض الزيادة في إنتاج الغذاء وتلبية الطلب في الوقت ذاته، وكذلك المساهمة في بنك الإمارات للطعام عن طريق الاستفادة من المنتجات الغذائية قبل انتهاء صلاحيتها.

وعلى مستوى السياسات، فإن تجنب هدر الطعام والحد منه سيكون أحد الركائز المهمة لاستراتيجية الإمارات العربية المتحدة المقبلة بشأن تنويع الغذاء.

وبالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة، وبدعم تقني من منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، تعمل وزارة التغير المناخي والبيئة حالياً على وضع الاستراتيجية بطريقة شمولية تهدف إلى معالجة سلسلة القيمة الغذائية بأكملها وضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل في البلاد، بما يتضمن المنتجات الغذائية المستوردة والمنتجة محلياً، وأفضل الطرق للتخلص من النفايات المتولّدة.

لا شك أن الأفكار والتقنيات المبتكرة ستساعدنا على إحداث الفرق الذي نطمح إليه، ولكن التدابير والسلوكيات البسيطة هامة أيضاً. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يمكننا تحضير أو طلب كميات الطعام التي نقدر على تناولها فقط، أو تحويل الطعام الفائض إلى طبق آخر، أو شراء المنتجات الغذائية التي قد لا تكون بالشكل أو الحجم الأمثل.

لنعمل معاً على توحيد الجهود واتخاذ تدابير استباقية لخفض النفايات المتولّدة من المنتجات الغذائية والحد من هدرها بشكل دائم ومشاركتها مع المحتاجين، وخاصة خلال شهر رمضان المبارك وتماشياً مع جوهر الشهر الكريم وعام الخير.

 

 

Email