الرئيس ينتصر للمصريين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن حُكم المؤرخين على هذه المرحلة من تاريخ مصر سوف يكون أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الرئيس الوحيد الذي اخترق العقد المستعصية في الحالة التنموية المصرية وحلها بالطريقة التي توفر الفرصة لتنمية سريعة، أي بمعدلات نمو عالية، ومستدامة، أي شاملة مصر بأقاليمها، وناسها من المصريين.

آخر ما فعله الرئيس هو إعلانه عن حشد قدرات الدولة المصرية، بحكومتها وشرطتها وجيشها من أجل رفع الأيدي عن الأرض لإتاحتها للتنمية والاستثمار، وهنا نقصد رفع يد مواطنين اعتدوا على ملكيات الأرض في فترات مختلفة، من دون أن يوقفهم أحد، في مراحل زمنية سابقة، ووضع اليد على الأرض، كان يتم باعتبارها أرضاً شاسعة، غير مسجلة باسم أحد.

قضية الأرض كما نعرفها هي نتاج تراكمات تاريخية طويلة ولكن الاهتمام بها بالطريقة التي تمت هي جزء لا يتجزأ من عملية استكمال تحديث مصر وإدخالها إلى دور الحداثة التي ربما يبدو أنها جاءت إلى مصر مع الوالي محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر، ولكن الآن ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين فإن العملية لم تستكمل بعد.

علماء السياسة قالوا لنا إن الحداثة تأتي إلى الأمم إذا ما تمت أربع عمليات متزامنة، تكوين هوية الأمة أي وجود رابطة معنوية وقيمية بين جماعة بشرية؛ والتعبئة والحشد لمواردها الاقتصادية والبشرية؛ والمشاركة السياسية للمواطنين؛ واختراق أرض الدولة.

العمليات الثلاث الأولى ليس هذا مكانها، ولكن العملية الرابعة هي موضوعنا لأن السيطرة على إقليم الدولة يعني القدرة على استخدام أرضها.

المدهش أنه عندما قامت الدولة المصرية في عام ١٩٢٢، ورغم مرور أكثر من قرن على تجربة محمد علي، ورغم أن ملك مصر كان ملكاً لمصر والسودان أيضاً، فإن أرض مصر أيامها لم تكن مكتشفة اكتشافاً كاملاً، كانت الصحراوات مجهولة، كما كانت الواحات بأهلها وجغرافيتها في حاجة إلى أكثر من عقد حتى تصل الدولة لها وهو ما حدث.

الأرض الشاسعة ظلت نادرة وعصية على المستثمرين والراغبين في التنمية، والآن فإن الحداثة لا تكتمل إلا عندما يمسك المصريون بالأراضي المصرية عيشاً واستثماراً وتواجداً شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً.

هنا تصبح قضية الأرض بالغة الحيوية ليس فقط من أجل الاستثمار، وإنما لاستكمال عملية التحديث المتأخرة لقرنين وأكثر من الزمان، وربما آن لمصر أن تدخل عصرها.

هنا أيضاً فإن الأمر يستدعي وجود عدد من العمليات التي لحسن الحظ بات يقوم بها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ووزارة التخطيط بحيث نعرف كل تفاصيل الأرض المصرية على اتساعها وتعدد صفاتها، وما عليها من بشر وحجر.

المعلومات هنا تجعلنا نعرف ما لدينا من ثروة لا يمكن تنميتها ما لم تكن أوضاعها القانونية خاضعة لقواعد حديثة ترتبط بالقانون الشامل للدولة، وكذلك اقتصادها القومي.

لا يمكن للحداثة أن تحدث بينما أراضي الدولة واقعة تحت وضع يد بعض المواطنين، وهكذا فإن المسألة تصير فوراً وبعد رفع اليد عن الأرض، وإخضاعها لقوانين الدولة فإلى أين تذهب؟

الخروج من هذه الحالة إلى العصر الحديث يستدعي الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تعاملت مع المعضلة ذاتها التي نتعامل معها الآن، وتريد قيادة الدولة أن تنجزها سريعاً.

الكاتب نيوتن في صحيفة المصري اليوم نقل لنا من تجارب الدول الأخرى تجربة إنشاء بنك للأراضي تتجمع تحت مظلته كل الأراضي المصرية التي لا توجد حِجّة قانونية لامتلاكها من قبل أفراد أو هيئات عامة أو خاصة والتي تشكل أكثر من ٩٠٪ من أرض مصر.

البنك هنا مثل كل البنوك يكون الجهة الوحيدة المختصة بالأراضي المصرية، وهي الملجأ الذي يلجأ إليه كل مستثمر للحصول على الأرض مصرياً أكان أم أجنبياً، وهو أيضاً الذي يعرف الخطة القومية التي تحدد أرض الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات المختلفة من طرق ومواصلات مختلفة والمحميات الطبيعية وما هو ضروري للأمن القومي.

من الطبيعي في هذه الحالة أن يكون له مجلس أمناء يشارك فيه كل أصحاب المصلحة في استخدام الأرض من القوات المسلحة إلى وزارات وهيئات الزراعة والصناعة والخدمات والاستصلاح والتعمير والاستثمار.

باختصار فإن بنك الأراضي يكون هو الجهة المعبرة عن الملكية العامة للأرض، وهو في الوقت نفسه الجهة التي تتولى تخصيصها للاستثمار سواء أكانت للمنفعة العامة أم المنافع الفردية، وهو الجهة التي تخصص جزءاً من عائد بيع الأراضي الأموال اللازمة لرعاية الأرض والعناية بها.

كما أن لكل البنوك فروعاً فإن بنك الأراضي أيضاً سوف يكون له فروع في المحافظات المختلفة يوضع تحت مظلتها الأراضي العامة التي تقع في زمام المحافظة أو تلك التي تضاف إليها مما يسمى الظهير الصحراوي الذي يعطي المحافظة رئة للاستثمار والتنمية.

 

 

Email