خمس دقائق مؤثرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشاهد التي نشاهدها في حياتنا ونعيشها، والتي جمعها برنامج «ألبوم»، ليوضح لنا أن عشرات السنين من حياتنا تمر بسرعة شديدة، وكأنها يوم أو بعض يوم، خلالها يمر كل واحد منا بصراع أو قضية مركزية يتأثر بها أو يؤثر فيها، ويسأل أحمد الشقيري، المشرف على البرنامج، كيف سنتعامل مع هذه القضية، وهل سننتصر أم نهزم أمامها، لكي يتحقق لنا السلام الداخلي في الحياة، وذاك هو الانتصار الحقيقي؟.

المشهد الأول: تلك الفتاة التي ولدت لأب ثري وأم بسيطة، غمرتها بالحب والرعاية منذ ولادتها، ورعتها بسقيا الحب منذ أن رأت عينها النور، حين تراها كأن الدنيا أقبلت، وحين تمرض، يكون الوجع بجسدها قبل ابنتها، غير أن المقابل كان الجحود من تلك الابنة.

ووصل الأمر إلى الخجل من أمها، وحرمانها من أن ترى كل اللحظات الفارقة التي تنتظرها كل أم حين يكون تخرجها في المدرسة أو الجامعة، حتى لا يراها أصحابها فيعايروها بأمها، ظناً منها أن ذلك يحميها من همزهم ولمزهم ونظراتهم، وبعد أن كانت تلك الأم لا تفارقها، اضطرت إلى الرضوخ لطلب ابنتها ألا تصحبها إلى أي مكان، تحت ذرائع وحجج كثيرة، مكتفية بصحبة صديقاتها، إلى أن تعرضت الابنة لحادث.

فلم تجد بجوارها غير أمها، وأن من ظنت أن لها بهم غناء عنها، لم يحملوا أنفسهم عناء الاتصال بها، هنا، جاءت لحظة الحقيقة وحدث الفرز، لتعلم أن قلب أمها هو موطنها التي آلمته مراراً، لكنه يوم أن أوصدت أبواب الأصدقاء، ظل مفتوحاً لها تدخله دون استئذان.

المشهد الثاني: ذلك الذي اعتاد أن يهرب من مواجهة المواقف الصعبة التي يتعرض لها بالانسحاب منها، اعتاد أن يكون خارج دائرة التحدي، واكتفى أن يفعل كما النعام، أن يضع رأسه في الرمال، اعتقاداً منه أنه بذلك الفعل محمي، غير أن الانسحاب تطور من عدم المواجهة، إلى تفضيل أن يكون لنفسه عالماً وهمياً عبر الاتجاه إلى المخدرات، التي جرفه تيارها الهادر إلى عمق المحيط غارقاً، ورغم أنه اعتقد أنه يستطيع أن يتحكم في الحالة التي يمر بها، إلا أنه بمرور الوقت.

فقد السيطرة وأصبح عبداً لها، أسيراً لتعاطيها، مكبلاً بأغلالها، وبدلاً من أن تحل مشاكله، أضافت له مشكلة أخرى أشد تعقيداً، حتى جاءت لحظة الحقيقة، التي وجد أن حياته على حافة الانهيار، وأنه لا بد من طلب المساعدة، والقيام لأول مرة بمواجهة مشكلاته بشكل حقيقي دون الهروب منها، حتى ولوكان ذلك مؤلماً لحين، فإنها البداية.

المشهد الثالث: في حياة الناس تتناوبهم المشاعر، فرح أو حزن أو تعب أو راحة، غير أنها كلها تنحسر وتذهب، فلا حزن دائم أو فرح دائم، فما بالك بمن كان الندم رفيقه، ندم على دراسته التي أهملها، فصار من المتأخرين الواقفين على أبواب الفشل، عالة على غيره في دنيا الناس، ندم على مصاحبة رفقاء السوء الذين جروا عليه الوبال، ولم يكن في طريقهم غير الشوك، والنتيجة دائماً الندامة، ندم على أبويه اللذين تخلى عنهما يوم كانوا في أمس الحاجة إليه.

وندم أشد على أسرته التي أهملها وهو المؤتمن عليها، تظل دائرة الندم تضيق يوماً بعد يوم، حتى تكاد تقتل صاحبها، إلى أن تجيء لحظة الحقيقة التي تؤكد لصاحبها ضرورة كسر هذه الدائرة، وأن أفضل تكفير عن التقصير في ما فات، هو الإحسان فيما هو آتٍ، وأنها الفرصة للتغيير، باعتبار أن الحياة كلها هي الفرصة الأخيرة التي لا تحتمل إهمالها أو تضييعها.

المشهد الرابع: الأب الذي يفرح بولده الصغير أيما فرح، وتكون اللحظات الأولى بينهما ممتعة وسعيدة، وما إن يبدأ يكبر الابن ويتشكل، حتى تكون العلاقة بينهما من طرف واحد، ويتعامل معه كدمية يلهو بها، ويشتاط غضباً لأبسط خطأ يقع فيه طفله دون أن يقصد ذلك، وبدلاً من إكسابه السلوك الحسن، يتم تعنيفه باللفظ الذي تطور بعدها إلى الاعتداء بالضرب المبرح، ولم يترك له مساحة للتحرك أو اللعب الطبيعي، حتى صار وجوده بالنسبة له، كما الشبح المرعب، يصاب بالذعر لمجرد رؤيته.

وعلى الرغم من أن الظاهر كان رغبة الأب في تربية ولده، إلا أن الحقيقة كان شبح الماضي الذي ورثه الوالد عن أبيه، وهو السلوك العنيف ذاته الذي تعامل معه به أبوه في صغره، وكأنه يقوم بنوع من الإبدال والتحويل، إنه إرث الكراهية التي تربى عليها ولم ينفك منه، أو يعي الدرس ويعوضه في أبنائه.

ولكنه وقع أسير حبائله، وأصيب الطفل بإمراض نفسية، جاءت لحظة الحقيقة، عندما كاد من فرط قسوته أن يفقد طفله، بعد أن أصيب من جراء العنف الواقع عليه، ساعاتها أدرك الوالد أنه هو المذنب الحقيقي، ولكن ابنه كان من يدفع الثمن.

إن برنامج «ألبوم»، رغم ضيق المساحة الزمنية التي لا تتعدى الخمس دقائق، إلا أن تأثيره أكبر بكثير بما يقدمه من مضمون نحتاج للتوقف أمامه طويلاً.

 

 

Email