سقوط الأيديولوجيات الأصولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعرف الأيديولوجيا الشمولية أو الكلانية أو كما يسميها البعض بالتوتاليتارية بأنها تلك الأيديولوجيا التي تعلن بأنها تملك جملة من الأهداف والغايات التي تمثل جميع البشر أو جميع أبناء الأمة وأنها تنطوي على مبادئ فيما لو جرى الالتزام بها تتحقق السعادة و القوة للأفراد.

كانت الشيوعية واحدة من الأيديولوجيات الشمولية العالمية، التي حكم باسمها الشيوعيون في الاتحاد السوفييتي وفي دول أوربا الشرقية والصين وبعض دول جنوب شرق آسيا. كانت أيديولوجيا شمولية تعد البشرية بالسعادة بعد أن يقوم النظام الاقتصادي الاجتماعي الاشتراكي ومن ثم الشيوعي بالقضاء على التفاوت الطبقي و الملكية الخاصة وإزالة الفرق بين المدينة والقرية والفرق بين العمل اليدوي والعمل الفكري وعلى الدولة نفسها.

كانت هذه الأوتوبيا ذات إغراء كبير قبل أن تزول الدول الشيوعية، وأصبحت الأحزاب الشيوعية التي كانت ذات تأثير كبير في خبر التاريخ الماضي. ومما زاد من تبخر هذه الأيديولوجيا الشمولية سلوك الأنظمة السياسية الدكتاتورية المتكئة عليها.

وقد شهد تاريخ أوروبا سقوط أيديولوجتين شموليتين هما الأيديولوجية النازية والأيديولوجية الفاشية.

أما في البلاد العربية فقد سقطت الأيديولوجيا الشيوعية فيها على أثر سقوطها عالمياً، وسقطت الأيديولوجيا القومية إثر هزيمة حرب يونيو حزيران وموت عبد الناصر وظهور نظم دكتاتورية طائفية وما شابه ذلك.

لم يبق من أيديولوجيات شمولية تقاوم الفناء الحتمي لها إلا الأيديولوجيا الإخوانية وتفعرعاتها في الأصوليات المتنوعة.

فإذا كانت الأيديولوجيات السابقة تطرح أهدافها انطلاقاً من وعود بشرية فإن أيديولوجيا الإخوان وأيديولوجيا ولاية الفقيه والحركات التي ولدت من رحمهما تنطلق من إسلاموية سياسية، أي أنها تطرح أيديولوجيتها السياسية الشمولية بوصفها امتداداً للإسلام، فتخلع على نفسها صفة الأيديولوجيا الشمولية التي ستحقق الوعد الإلهي!

تكمن خطورة الأيديولوجيا الإخوانية والأصولية بعامة في أنها معادية لكل الحضارة الراهنة والدولة الحديثة والتقدم الاجتماعي والثقافي وأن البشرية كلها تعيش عصر الجاهلية.

الإخوانية ليست أيديولوجيا فقط بل وحركات وأحزاب سياسية وتنظيم عالمي ومؤدلجين بل وبعض دول داعمة و مؤيدة.

لقد أبرزت التجارب التي قادت الأيديولوجيا الإسلاموية إلى السلطة في إيران وغزة وتونس ومصر عقم هذه الأيديولوجيا في إدارة البلاد والعباد، ومما زاد من سقوطها سلوك المليشيات العنفية الإرهابية كالميليشيات الشيعية، حزب الله في لبنان وما شابهه في العراق و إيران والحوثيون في اليمن والمليشيات السنية كداعش والنصرة والقاعدة.

لا شك في أن سقوط الأيديولوجيا الشمولية الأصولية أمر حتمي لأنها غير معبرة عن منطق الحياة، بل ومتناقضة مع منطق الحياة الاجتماعية والسياسية.

إن عصرنا لم يعد عصر الأيديولوجيات الشمولية أبداً، إنه عصر التقدم العاصف في كل مجالات الحياة، عصر التغير اليومي في نمط العيش وصوره، عصر التنوع الفكري والجمالي، عصر مواجهة المشكلات مواجهة علمية موضوعية. وليس عصر الأوهام، أوهام الأيديولوجيات الشمولية.

 

 

Email