الأيديولوجيا القومية الميتة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعرف الوعي الأيديولوجي القومي العربي بأنه اعتقاد وإيمان وقناعة بأن العرب من المحيط إلى الخليج يشكلون أمة واحدة، أو هم في أسوأ الأحوال إثنية واحدة ولديها من المقومات ما يسمح لها بالانتقال إلى الأمة - الدولة.

لقد شهد هذا الوعي انتشاراً واسعاً في كل أرجاء بلاد العرب وتأسست أحزاب شمولية ذات أيديولوجيات قومية تعلن عن كفاحها السياسي والفكري من أجل وحدة العرب وحريتهم، وحكمت باسمه جماعات كثيرة، أحزاب البعث في سورية والعراق والناصرية في مصر والقذافي في ليبيا وغيرها.

ومع فساد بعض أنظمة الحكم هذه ودكتاتوريتها وتناقضها المطلق مع السلوك الواجب قومياً وبخاصة بعد السبعينيات وموْت عبد الناصر، الذي نُظر إليه كمخلص زاهد، انهارت الأيديولوجيا الشعبوية القومية تقريباً، وبقيت عقابيلها حاضرة في بقايا الأحزاب البعثية والناصرية، وفِي رؤوس بعض المثقفين العرب.

والأيديولوجيا القومية وإن كانت ثمرة الشعور بالهوية القومية فإنها لا تساوي الهوية القومية. فالهوية القومية شعور طبيعي بالانتماء مؤسس على تاريخ من الوعي الذاتي بالأصل واللغة والثقافة الموضوعية والتعاطف المشترك والعلاقة مع الآخر، وهذا معنى قول القائل: «أنا عربي».

ولأن العرب هم دول متعددة فإن الجنسية العربية ليست بنداً في هويته الشخصية، وجاءت جامعة الدول العربية لتؤكد الانتماء العربي لهذه الدول.

لا شك بوجود العرب لغة وتاريخ وشعور بالهوية وهذا يخلق التفكير بصيغة ما للعمل المشترك والاتحاد أمام الأخطار.

غير أن «الربيع العربي» قد أظهر هشاشة وانحطاط بعض الحركات والأحزاب اليسارية والأحزاب ذات الأيديولوجيا القومية، وأعلن مرحلة احتضارها. وبخاصة الموقف من كفاح الشعب السوري.

عقابيل الحركة الناصرية في مصر وعقابيل البعث في الأردن وفلسطين وبعض الدول الأخرى وبقايا مثقفي الوسخ التاريخي المتماهي مع العنف المطلق وميليشياته الطائفية وبحجة الدفاع عن نظام قومي ممانع تعلن جميعها تأييدها مع أكثر حالات العنف الإجرامية التي شهدها التاريخ البشري حتى الآن لسلطة تريد البقاء رغم أنف الشعب.

في الوقت الذي قامت الحركات الإجرامية الدينية كداعش وحزب الله وما شابه ذلك في مواجهة ثورة الشعب الديمقراطية قامت بعض الحركات القومجية بالفعل نفسه، وأصبحت جزءاً من تحالف، يضم الجماعة الحاكمة وحركات أصولية وبقايا الزيف القومي.

أجل إن في موقف كهذا لهو إعلان موْت ونهاية وعي زائف وبداية تفكير جديد بالعرب دون فصل بين العرب والحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.

الأيديولوجيا القومية الميتة لا تعني موْت الشعور القومي بالانتماء، فالعرب ليسوا واقعة أيديولوجية، بل واقعة موضوعية يجب أن تجد معادلها السياسي والفكري المطابق لواقعها.

هذا ما يجب أن يكون مهمة النخبة العربية الجديدة والمتجددة، لا سيما إننا نشهد أنماط سلوك بعض العرب المكفرّة بالانتماء عند بعض الأفراد من الأجيال الشابة.

 

 

Email