الاحتماء بالضباع

ت + ت - الحجم الطبيعي

في منتصف القرن الخامس الهجري، كان المأمون بن ذي النون أمير طليطلة، يستضيف في مدينته ألفونسو السادس، ابن عدوّه اللدود لمدة تسعة أشهر كاملة، لخلافٍ ادّعاه مع أخيه سانشو، كان فيها ألفونسو يجول في المدينة ويعرف أسرارها ومخارجها ومداخلها، ويتبيّن نقاط ضعفها، ويتعرّف إلى أنواع رجالها، ومَن كان مع حاكمها ومَن كان ضدّه في الخفاء، بعد أن خرج عائداً لبلاده، توفي المأمون وخَلَفه حفيده القادر.

وكان صبيانياً في تصرفاته، أهوجاً في قراراته، لا يعبأ إلا بملذاته، وأحاط نفسه ببطانة سوء لا تأمره إلا بكل شر، فطرده أهلها، فما كان منه إلا أن استعان بضيف الأمس ألفونسو السادس، والذي وجدها فرصةً لا تعوّض، فانقضّ على المدينة وحاصرها أربع سنوات قبل أن يحتلّها وتسقط تلك المدينة العظيمة، بعد أنّ سلّم حاكمها أسرارها ومقدّراتها لعدوها بحماقاته، وهو يظن أنه سينتصر له.

هذه الأيام تتكرر ذات المغامرات العابثة مع قطر، فحكومة الدولة الشقيقة ما زالت «راكبة رأسها»، وتتفنّن في تصعيد الأزمة وتَئِدُ كل فرصة متبقية لعلاجها، وها هي تستنجد بعدوّة العرب الأولى، إيران، لمد يد العون لها لملء رفوف محال السوبر ماركت الفارغة.

وتحمي تميم بعناصر من الحرس الثوري، الذي ارتكب المجازر في حق أهل السنة بالعراق وسوريا، ليؤكد هذا من جديد، على أن مشاركة قطر العسكرية في مناورات الحرس الثوري العام الماضي، لم تكن حدثاً عارضاً، ثم هرعت الشقيقة المذعورة إلى إسطنبول، لتسمح لها أن تحتل أراضيها بجيش قوامه خمسة آلاف جندي تركي.

ليس لدول الخليج نوايا عسكرية في قطر، لكن «كاد المريب أن يقول خذوني»، فمن ألِفَ المؤامرات والخيانات، لا يرى الدنيا إلا من منظوره هو، وكم كان هزلياً أن نرى صحف قطر الرسمية تحمل عنواناً يحاول التلاعب بالوقائع واستثارة نخوة شعب قطر، وهو يقول «قطر دولة ذات سيادة يا سادة»، ثم نجدها ترتمي على أعتاب طهران وإسطنبول، وتفتح مطاراتها ومواقعها الحيوية لعصابات الحرس الثوري الإيراني وكتائب الجيش التركي، إذن: أين ذهبت السيادة يا سادة؟.

الخطاب الإعلامي القطري الكاذب، والذي كان ينشر الفتن ويختلق الشائعات ويحوّر الحقائق في استهدافه لشعوب الدول العربية، عاد الآن ليمارس ذات التضليل والكذب تجاه الشعب القطري الشقيق، ومحاولة تغطية فظائع وفضائح السياسة الخارجية للحكومة القطرية، وادّعاء أنّ هناك مؤامرات تُحاك ضد بلادهم، وبأنّ الجيران يستهدفون "كعبة المظيوم"، كما يحلو لهم أن يسمّوها، والتي أبانت الأيام أنها لم تكن سوى "مسجد الضرار"، الذي جمع مرتزقة الدنيا وبائعي الدجل ومروّجي الدمار ومشعلي الحروب، في مغامرات تخريبية استهلكت من ثروات الشعب القطري وأجياله القادمة، ما قُدِّرَ بـ 64 مليار دولار.

أي حكومة تلك التي لا نسمع صوت وزير خارجيتها إلا على استحياء، لكنها تسمح لرئيس تحرير جريدة، إي والله رئيس تحرير جريدة، ليلعلع ليل نهار بتصريحات تمس دول الجوار، ولا تزيد الوضع إلا مزيداً من التوتر بتهكمه ولغته الصبيانية، وأفقه الضيق الذي لا يرى أبعد من طاولته التي يهذرب فوقها، وكأنه يشارك في برنامج هزلي، وليس عن أزمة بلاده، وما بدأت تجرّه حكومتها على شعبها من تضييق وعزلة عمّن حولها.

وعندما كان اقتصاد بلاده يتهاوى وموديز وS&P تخفضان التصنيف الائتماني لبلاده وبورصتها تتهاوى، والريال ينخفض لأدنى قيمة منذ 11 عاماً، بينما يكشف مصدر قطري كما نقلته صحيفة عكاظ عن كارثة، بقوله إنّ إمدادات الحبوب بالسوق تكفي لأربعة أسابيع فقط، وتوقفت شركتا "ايفرجرين" و"أو أو سي إل"، سادس وسابع أكبر شركات شحن في العالم، عن أعمالهما لقطر بسبب الوضع الحالي، يخرج هذا المتذاكي ليقول إنّ بلاده نجحت، لأن الـ "هاشتاغ" تصدّر الترند في المنطقة! أي عقولٍ نتعامل معها.

كفاكم مزايدات رخيصة يا حكومة قطر، وكفاكم تملّصاً من المشاكل باتباع سياسة الهروب للأمام، ويكفي أنّ "عرّاب الخراب" يوسف القرضاوي، ظهر بتسجيل سابق على قناة الجزيرة، حتى لا يُقال إنها مفبركة أو مخترقة، وهو يبارك ثورة تونس، ويُبشِّر بثورة قادمة في ليبيا، وتليها أخرى في سوريا ومصر واليمن.

ويشكر قطر لكونها الداعم الرئيس لتلك الثورات ونصيرها الأوحد، وبأن قناة الجزيرة هي أداتها الإعلامية في ذلك المشروع الثوري، ويكفي فضحاً لموقفكم، أنّ من وقف بجانبكم الآن، كانوا تُجّار الدم ودهاقنة الشر من ملالي قُم وقيادات عصابات الحشد الشعبي والحوثيين وحزب الله، وبالتأكيد أُمّهم الكبرى ورأس الأفعى دوماً: جماعة الإخوان المسلمين.

عندما يسكت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر دهراً، ثم يخرج ليقول بأنّ: "قطر تواجه العزلة بسبب نجاحها وتقدمها"، فهذه تجعلنا نقول "ليتك تمّيت ساكت"، الغيرة على ماذا "يا حسرة"؟، الأكبر مساحة هي السعودية، والأكثر كثافة سكانياً هي السعودية، والأكبر من ناحية الناتج القومي الإجمالي هي السعودية، والأقوى عسكرياً هي السعودية، والأكثر موارد هي السعودية، والعاصمة الروحية والسياسية للعالم الإسلامي هي السعودية.

والأعلى كبراءات اختراع هي السعودية، والأكثر تنوعاً اقتصادياً هي الإمارات، والعاصمة السياحية في المنطقة هي الإمارات، والأكثر تطوراً وتصدراً لدول المنطقة في مؤشرات النمو الاقتصادي والتقني هي الإمارات، وقبلة رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات هي الإمارات، والأفضل كنظام تعليم هي الإمارات وتليها البحرين، والجامعات العربية الوحيدة ضمن تصنيف أفضل جامعات العالم، هي لجامعات السعودية والإمارات، فعلى ماذا سيغار البقية من قطر؟.

قطر سلّمتها حكومتها طواعيةً لأعداء العرب من فُرسٍ وتُرك، على أمل أن تسترجع حُلُم أن تكون الدولة العربية الأقوى، تلك الأقوى التي خلال ساعات من إغلاق حدودها البريّة، لم تقدر على ملء رفوف السوبر ماركت.

 

 

Email