الحياة بين التجديد والجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطرح في عنوان كهذا ثلاثة مفاهيم مترابطة: الحياة، التجديد، الجديد. وأقصد بترابط هذه المفاهيم بأنها متعايشة ولا يمكن تصور استمرار أحدها في غياب الآخر.

فالحياة هي الوجود البشري بكل ما ينطوي عليه من جوانب اجتماعية وسياسية وثقافية وبيولوجية وعلمية سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. هذه الحياة لا تعرف السكون أبداً إنها نهر دائم الجريان، ونحن هذا النهر.

والتجديد عملية يقوم بها البشر لتغيير عالمهم عبر عملية تجديد لا تتوقف لما هو سائد ومعاش، أما الجديد فهو المختلف عن التجديد، فإذا كان التجديد تجديداً لقديم معاش أو لواقع حاضر، فالجديد هو صناعة ما هو مختلف بدافع حب الحياة ومطلب السعادة، غير أن الحياة الواقعية لا تسير على هذا النحو ببساطة وسلاسة.

فهناك من هو مولع بالقديم والحاضر ويقف في وجه التجديد والجديد بكل ما أوتي من قوة، فالوقوف ضد التجديد يتأتى من موقفين: موقف تعصبي ناتج عن قناعة بأن ما كان هو خير العوالم الممكنة.

ولن يكون التجديد له ولا الجديد خير منه، وموقف ارتبطت مصالحه بالماضي والواقع المعاش ويخاف عليها من الفقدان فيما لو تحقق تجديد وانتصر جديد.

وكلا الموقفين ضد منطق التاريخ، والخطورة كل الخطورة تكمن في ما إذا كان أصحاب الموقفين يملكان من القوة ما يمكنهما من منع التجديد والجديد بوصفهما مطلبين للأكثرية وإيقاف الحياة عبر استخدام القمع المادي والفكري، فتجديد الخطاب الديني، مثلاً، مطلب الحياة الجديدة، مطلب الضرورات.

وهذا أمر صاغه مرة المصلحون الكبار كمفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده، الذي استمر بهذا المنصب منذ 1899 وحتى وفاته عام 1905، وهو الذي ألف كتاب الإسلام بين العلم والمدنية وأفتى بقلب السلطة الدينية، أي الإتيان عليها، كما أفتى بأن الحكم مدني من جميع والوجوه، وتفضيل العقل على ظاهر الشرع.

وتجديد عمل المؤسسات والقوانين الناظمة لحياة الناس لإنجاب أكبر قدر من السعادة لهم مسألة يفرضها منطق تطور العلاقات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وتقدم المعلوماتية وهكذا.

أما الجديد فهو الذي لم يكن سابقاً في الأصل ونشأ بفضل تطور الحضارة البشرية وتقدم العلم والتقنية والمعرفة، فوسائل الاتصال اليوم التي تقوم بوظيفة نشر المعرفة والتواصل بين البشر والمرتبطة بالإنترنت لا يستطيع أحد أن يسد أمامها الأبواب.

كيف يمكن اليوم أن تتأتي سلطة ما وتمنع عن مواطنيها الديجيتال؟ قد يعتقد البعض أن هذا سؤال من قبيل الطرفة. ‬لا، أبداً، فلقد منعت الأجهزة الأمنية الديجيتال في سوريا وقتاً طويلاً، ومازال قانون المنع موجوداً رغم انتشار الصحون اللاقطة. لم تفلح مقاومة الجديد طبعاً، لأن حاجات الناس التي تنشأ مع نشأة الجديد أقوى من أية سلطة قامعة.

وقس على ذلك الجديد في العلم وبخاصة في علم الطب المرتبط بحياة الإنسان وإطالة عمره بالقضاء على الأمراض وتبديل أعضائه، وهكذا.

إذاً التجديد و الجديد ينبثق من منطق الحياة ذاتها وليس مجرد رغبة تعن على العقل، لكن العقل والإرادة هما اللذان يحولانهما إلى واقع. ولا يستطيع أي عقل أو أي إرادة أن تقف في وجه التجديد و الجديد أو أن توقف نهر الحياة عن الجريان.

لكنهما قادران على إعاقة مجرى الحياة عبر العنف الهمجي فقط ولكن دون طائل ومستقبل لهما، وهذا ما يدفع ثمنه البشر من أرواحهم وأمنهم وسعادتهم. والحق أن انتصار الحياة هو ذاته انتصار العقل وانتصار العقل هو ذاته انتصار الحياة.

 

‏‫‬

Email