حربنا ضد التكفيريين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوفى فضيلة الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، بوعده لي، ففي مؤتمر بمكتبة الإسكندرية عن مواجهة الإرهاب، تحدث فضيلته، عما يجرى من أعمال إجرامية وقتل واغتيالات وتفجيرات..

وقال إنهم خوارج العصر. ووعد بأن يهدي المكتبة نسخاً من كتاب يعده مع عدد من الباحثين، تحت عنوان «الرد على خوارج العصر»، ثم قال: ونسخة أخرى أهديها لشخص قرأت عديداً من كتبه وأعجبت بها»، هو رفعت السعيد، وأوفى فضيلته بوعده فأرسل الكتاب.

خمسة مجلدات مجلدة تجليداً فاخراً، مجموع صفحاتها 1250 صفحة من القطع الكبير. ومنذ وصلني هذا الكنز وأنا غارق في بحر معلومات لا ينضب، وتحليلات متقنة وكاشفة لحقيقة التأسلم المعاصر، ومؤكدة أنهم بالفعل خوارج العصر، وفي المجلد الأول نقرأ في الصفحة الأولى، الرد على أصول خوارج العصر، تأليف مجموعة من العلماء والباحثين.

ويبدأ فضيلة د. علي جمعة مطلعه، أن العالم الإسلامي، بل العالم الإنساني كله، قد ابتلى في هذا الزمان بانتشار جماعات من التكفيريين، وسطوة فرق من الإرهابيين أساؤوا للدين الإسلامي، وشوهوا صورته في العالمين بالكذب والبهتان والمغالطات التي ابتدعوها وروجوا لها، وراحوا يسفكون الدماء.

ويعملون القتل والتقتيل في عباد الله، وهؤلاء هم ورثة الخوارج الذين حذرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدعهم وعدوانهم، وقد توعدهم بأنهم من أهل الجحيم، حيث قال «الخوارج هم كلاب النار» (رواه ابن ماجة)، وذلك لأنهم اتبعوا سنن المنافقين، حيث إنهم يظهرون الطاعات ويبطنون ما لا يرضي الله ورسوله من بدع ومغالطات، ويتحدث فضيلته عن الكتاب فيقول:

وبين أيدينا كتاب مهم، عمل على وضعه وجمعه مجموعة من الباحثين العلماء، وكان الغرض منه تفكيك الفكر المتشدد بنقض بعض أمهات المسائل التي يرتكن إليها، مع عدم الغفلة عن التطبيقات والفرعيات التي أخرجها ذلك الفكر الأبتر، بناء على تأصيلاته الفاسدة، من خلال جولة في بعض العلوم الشرعية، كالعقيدة والحديث الشريف وأصول الفقه وقواعده، والفقه الحضاري، وذلك العرض والتفكيك، تناوله الكاتبون عبر اعتبارات متعددة، وبأنفاس مختلفة، كلها مفيد ونابع من مشكاة واحدة، وإن اختلفت طرائقهم وتباينت مداخلهم».

يمضي فضيلته قائلاً: والكارثة أن من تبنوا هذه الأمور وتبعاتها، يحسبون أنهم على شيء، وأنهم مجاهدون، وأنهم مصلحون وأنهم يحسنون صنعاً.

فكأن أولئك هم ورثة المنافقين الذين خرجوا على جماعة المسلمين في عهد سيدنا رسول الله وأنشؤوا لأنفسهم مسجداً، وأقاموا جماعات خاصة موازية في ما سمي في سيرة سيدنا رسول الله «بمسجد الضرار»، فالمنافقون في عهد سيدنا رسول الله، اظهروا الطاعة، حيث أقاموا مسجداً للصلاة وحضروا فيه الجماعات ودعوا الناس للتوافد عليه.

ولكن حقيقة أمرهم أنهم كانوا يريدون تفريق كلمة المسلمين، وإنشاء مؤسسة موازية للمسجد النبوي الشريف الذي يجتمع فيه الصحابة حول سيدنا رسول الله، ما سيترتب عليه إعلاء تيارات موازية، والترويج لأفكار موازية من المؤكد أنها ستهدم المجتمع، لأن المنافقين إنما دعاهم للنفاق طلبهم للسلطة، والسلطة دنيا.

والدنيا تفرق ولا توحد أبداً، فإن عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين، كان يتطلع لأن يكون ملكاً على المدينة، ويرى في مجيء رسول الله إلى المدينة ضياعاً لطموحاته في الملك، وبعد ذلك يحدثنا فضيلة الشيخ علي جمعة عن هدفه وهدف المجموعة التي التفت حوله والتقت من أجل تأليف هذه الموسوعة الضخمة، فيقول:

نحن عازمون إن شاء الله على تفكيك هذه الدائرة المعرفية المغلقة التي أنشأها أولئك الإرهابيون المعاصرون، فإن هؤلاء التكفيريين الضلال، صنعوا لأنفسهم دائرة من النصوص والأفكار، وأحاطوا أنفسهم بها، وبدأت تلك المكتبة الخاصة بهم تتضخم بمرور الزمن، بما استلزم اقتحامها وقراءتها من أجل تفكيكها أمام أبنائنا وشبابنا، حتى لا يقعوا في مصيدة هؤلاء المتطرفين، ثم يقول:

«إن هؤلاء المتطرفين مهووسون بفكرة التميز عن بقية المسلمين، فسعوا من أجل ذلك لإنشاء الأفكار الموازية، حتى يكون لديهم دين موازٍ، أي مجموعة من التصورات العقائدية والاختيارات الفقهية والمنظومة الأخلاقية انتقوها وارتضوها جامعاً ورابطاً لهم، ونحن وعلماء المسلمين والعقلاء من عامة الناس، نرى في تلك الصورة التي ركبها هؤلاء المتطرفون للدين تشويها لحقائق الإسلام وثوابته، وتلك جريمة وجب عقابهم عليها، أو على الأقل منعهم من التمادي في ارتكابها.

وإن هذه الفكرة الضالة التي تجذرت في أوساط المتطرفين في جيل الأجداد، فتوالى عليها الأبناء، فعدوها من الحقائق الثابتة، فأتى الأحفاد فاعتبروها عقيدة راسخة، يعد الخروج عنها خروجاً من الدين كله، وهذا هو الضلال المركب.

 

Email