مصالحة ليبية في أبوظبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بغض النظر عن التحفظات التي أبداها بعض المعارضين أو المتشائمين إلا أنه من الإنصاف التأكيد على أن الدولة الليبية تجاوزت بالفعل أكثر من نصف الطريق نحو تحقيق السلام والاستقرار.

ما حدث قبل أيام قليلة على أرض العاصمة الإماراتية أبوظبي بشأن الاتفاق بين القطبين الليبيين خليفة حفتر وفايز السراج يعد من الأحداث التاريخية على الصعيد العربي ونموذجاً يحتذى في كيفية انتصار الدبلوماسية العربية الهادئة في إعلاء شأن التسويات السياسية لإنهاء المنازعات الداخلية.

فقد نجحت الإمارات في تحقيق إنجاز كبير بجمعها الرجلين على اتفاق مهم، وليس خافياً أن الإمارات تلعب دوراً مهماً ومؤثراً منذ فترة ليست قليلة لتحقيق تسوية سياسية سلمية للأزمة الليبية بعيداً عن أي أهداف ذاتية وانطلاقاً من روح عروبية خالصة تكاملاً مع الجهود المصرية والمغاربية.

ما تم إنجازه في اجتماع أبوظبي بعد كثير من الاتصالات والجهود المكثفة هو في حد ذاته إنجاز كبير يستحق الإشادة والمتابعة والبناء عليه لأنه لم ينبع من فراغ، وبالتأكيد ما كانت دولة الإمارات لتقدم على مثل هذه الخطوة إلا وتحت أيديها الكثير من العوامل التي تكفل نجاحها حاضراً ومستقبلاً، وقد يبدو الاتفاق الجديد في عيون الكثيرين مجرد بداية لمرحلة صعبة مقبلة من التفاوض والتنفيذ الميداني.

إلا أن الاتفاق بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي – المنبثق عن اتفاق الصخيرات – هو أيضاً تتويج لمراحل صعبة جداً من التفاوض متعدد المراحل والأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.

لقد سبق التنويه في حينه بالجهود التي بذلتها مصر ودولة الإمارات وأطراف عربية أخرى، خاصة دول الجوار لتسوية الأزمة الليبية، أو على أقل تقدير للحيلولة دون تفاقمها إلى حد المواجهات المسلحة المكشوفة، بما يستوجب الدعم العربي الجماعي الذي يسهل من وضع التصورات العربية موضع التنفيذ على أرض الواقع لإنقاذ الدولة العربية الشقيقة.

كانت محادثات القاهرة بين الأطراف الليبية المعنية قبل أشهر قليلة قد انتهت بالإعلان عما يمكن تسميته بخريطة الطريق السياسية للخروج من المأزق الراهن في ليبيا تزامناً مع حلول الذكرى السادسة لثورة الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، وتهدف هذه الخريطة إلى إقرار عملية سياسية تنتهي مطلع العام المقبل.

الاتفاق الذي ولد على أرض أبوظبي بين السراج وحفتر، بنوده لا تتعارض مع «الصخيرات»، كما ينص على توحيد الجيش الليبي وعمله تحت السلطة المتمثلة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وكذلك محاربة الإرهاب بجميع أشكاله على كامل التراب الليبي، وتعديل التشكيلة الوزارية بما يضمن تمثيل كافة الأطراف.

والتأكيد على وحدة ليبيا ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها، والمصالحة الوطنية وعودة المهجرين، وتشكيل فرق عمل مشتركة وفتح قنوات حوار جديدة للتنسيق والمتابعة، أضف إلى ذلك التعجيل بالاستفتاء على الدستور والدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة في موعد أقصاه مارس 2018.

في السياق ذاته لم يتجاهل البيان الرسمي الصادر عن السراج عقب اللقاء الموسع في العاصمة الإماراتية ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لتطوير وبناء الجيش الليبي وتوحيد مؤسسات الدولة في إطار الشرعية والقانون والحفاظ على مبادئ ثورة السابع عشر من فبراير، وأهمية ذلك تكمن في أن الطرفين أكدا على توحيد الجهود والإمكانيات لمحاربة المجموعات الإرهابية وفقاً لما ورد في الاتفاق السياسي الليبي.

وعلى اتخاذ كل التدابير التي تضمن التداول السلمي للسلطة وضرورة معالجة انتشار التشكيلات المسلحة وتنظيم حمل السلاح واحترام سيادة القانون والقضاء، والتهدئة في الجنوب الليبي، وتشكيل فرق عمل مشتركة وفتح قنوات تواصل مستمر.

هذه التفاصيل تعني بالفعل أننا أمام خطة عمل متكاملة وجادة لإنهاء الأزمة السياسية والأمنية في الدولة الليبية، وما يبعث على الارتياح أنها تحظى بدعم ومباركة الأطراف السياسية الأكثر تأثيراً على الصعيد الداخلي.

الاتفاق يمثل انتصاراً لنهج الحوار والتفاوض والخيار السياسي الذي لا بديل عنه لتسوية مجمل الأزمات العربية، ويدعم ذلك ما قاله نواب البرلمان المؤيدون للاتفاق السياسي في بيان مشترك إن من شأن لقاء أبوظبي تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، معربين عن أملهم في أن تسفر مثل هذه اللقاءات عن مخرجات واضحة وصريحة، مطالبين هيئة صياغة الدستور بالعمل على إنجاز مهمتها وإحالة مسودة الدستور إلى البرلمان لكي يطرح للاستفتاء العام أملاً في إنهاء المرحلة الانتقالية والتأسيس لمرحلة جديدة.

في الغالب يحظى هذا الاتفاق بكثير من التأييد من أطراف عربية عدة على رأسها الإمارات ومصر بالقطع بما يكفل له النجاح، ولعل المبادرة الإيجابية التي يمكن للأطراف العربية الفاعلة وللجامعة العربية عموماً طرحها في الوقت الراهن ترتكز على الإسراع في تقريب مواقف الأطراف الليبية وتحويل المكتوب على الورق إلى حقائق ميدانية وعدم انتظار تعيين مبعوث دولي جديد للأزمة الليبية خلفاً لكوبلر.

فقد أثبت العرب - واتفاق أبوظبي شاهد على ذلك - قدرة على فرض تصورات وتسويات سياسية وعليهم أن يكرسوا ذلك دون تراجع أو استسلام أو انتظار مخططات مفروضة من الخارج قد تهدم ولا تبني.

 

Email