الدبلوماسية الشعبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتعدد أدوات القوة التي تمتلكها الدولة وتتنوع وفقاً لقدراتها وما حققته من منجزات، والدور الذي تقوم به في محيطها الإقليمي والدولي، ولا شك أن القرار الاستراتيجي باستخدام أي من هذه الأدوات يرجع إلى الموقف ذاته، وكذلك النتائج المترتبة عليه، وقد يكون استخدام شكل واحد منها كفيلاً بتحقيق الهدف في موقف ما، وقد يكون استخدامها بشكل متكامل له الدور الأكبر، غير أنه في كل الأحوال، تعدد أشكال القوة التي تمتلكها الدولة يزيد من قدرتها على التفاعل والتعامل مع التحديات التي تواجهها، والدور الذي تقوم به، وهو في حد ذاته يعود بكافة أشكال النفع على مكانة الدولة.

قد يمثل ذلك التعدد قوة رادعة في ذاتها، تكفي الدولة الدخول في مواقف أكثر تعقيداً، وتحقيق نتائج مهمة ومؤثرة.

من ناحية أخرى، فإنه من المؤكد أن القوة العسكرية هي القوة الأهم والأكبر للحفاظ على حدود الدولة الجغرافية والدفاع عن سيادتها، وهي العامل الحاسم والقاطع في الصراعات السياسية، باعتبارها درع الوطن الحامي، والمستعد دائماً لبذل الأغلى والأنفس والتضحية بالروح، ولتعظيم دور القوة العسكرية، يجب تفعيل أشكال القوى الأخرى، وبالتكامل معها، التي قد تعظم النتائج العسكرية.

إن الحفاظ على جاهزية القوة العسكرية للدولة لا يعنى القيام بأعمال عسكرية، غير أن جاهزيتها تعني قوة الردع لمن تسول له نفسه الاعتداء، وتحمل نتائج ما يقوم به، كما أن القوة الناعمة للدولة تزيد من فاعلية القوة العسكرية، وقد ترجئ استخدامها كخيار متاح، بل تعمل معها، والشاهد أن طبول الحرب تدق عبر وسائل الإعلام، وتبدأ الحرب على شاشات التلفزيون قبل أرض المعركة، كما أنه قبل بدء المعارك، يحرص كل طرف على وجود المركز الإعلامي المصاحب قبل إطلاق قذيفة واحدة، كما أنه، وأثناء المعركة، يلعب الإعلام دوراً في ما يسمى بالحرب النفسية، وإضعاف الروح المعنوية للعدو بشكل لا يقل عن دور القوة العسكرية.

وكلما كان للدولة رصيد حضاري وثقافي وإنساني، ضاعف ذلك من تأثيرها ودورها كفاعل أساسي في محيطها، من هنا، فإن قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتشكيل «مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة»، يعد متسقاً مع مسيرة الدولة، واستناداً إلى رصيد حضاري تراكم عبر السنين، كانت الإمارات خلالها في قلب الأحداث، بمواقف خلدها التاريخ، وهي أكثر من أن تحصى، من منطلق التزام وطني وإنساني، حتى صارت عاصمة للعطاء الإنساني، متصدرة قائمته، فضلاً عن المحبة التي غرست في قلوب شعوب العالم، حتى باتت المكان الأكثر رغبة للعيش بين شباب العرب والعالم، والنموذج الملهم لهم، باعتبار أن أحلامهم تتحقق على أرض عربية، ما حافظ على آمالهم بعيداً عن حملات اليأس والتثبيط، كما صار شعبها الأسعد بين شعوب العالم بمقاييس ومؤشرات ترتكز على معايير واضحة، فضلاً عن جامعات تضم أبناء العالم من شرقه وغربه، ووطن آمن لا يشعر فيه أحد بالتمييز بناء على الجنس أو العرق أو اللون، ومنصات إعلامية تنطلق للعالم من الإمارات، والقائمة طويلة والإحصاء ممكن لمن أراد.

لكل ذلك، كانت القوة الناعمة للإمارات شاهدة وقائمة وقوية، تحتاج إلى التأطير والتنظيم لزيادة فاعليتها وتعظيم دورها ومردودها، وهو ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بأن الإمارات التي لديها القوة العسكرية والاقتصادية، واليوم تستعد لبناء منظومة القوة الناعمة وتأطيرها بشكل مؤسسي، محدداً أهدافاً تتمثل في تعزيز سمعة ومكانة الإمارات إقليمياً وعالمياً، وترسيخ احترامها بين الشعوب، ومناقشة واقتراح المشاريع والمبادرات الداعمة للقوة الناعمة للإمارات، وتحديد مجالات منظومة القوة الناعمة للإمارات، ورسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للإمارات، واقتراح ومراجعة التشريعات والسياسات المؤثرة في سمة الدولة.

تشكيل مجلس القوة الناعمة للإمارات، يمثل نقلة جديدة وعميقة ومتفردة في القاعدة التي تنطلق منها الإمارات في علاقتها الدولية، التي تزيد من قوتها عبر الدبلوماسية الشعبية، التي تزيد من فاعلية العلاقات الرسمية، وهو الأمر الذي يجعل من كل أبناء الإمارات معنيين بذلك المجلس، وأن يكونوا سفراء لدولتهم، باعتبارهم عناصر فاعلة في رسم صورتها بين شعوب العالم كافة، مع ما تخطوه الدولة كل يوم من خطوات، وما تحققه من إنجازات على طريق الريادة والتميز.

إن التاريخ يخبرنا أن الحضور الثقافي للدول، سبق إنشاء السفارات، وأن القوة الناعمة سبقت العلاقات الرسمية، كما أنها الرصيد الذي يصعب اقتلاعه أو محو أثره، باعتباره مكون أساس يمتد تأثيره لأجيال وأجيال.

Email