وقفات مع التأملات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ستظل تأملات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في السعادة والإيجابية، التي وضعها بين دفتي كتاب، وثيقة ينهل منها كل طامح راغب في التطوير والشباب المقبلون على الحياة بسواعد قوية وعقول واعية وأرواح وثابة، ستظل قراءة تلك الوثيقة، التي لا تتوقف عند حد التنظير فحسب، لكنها تنقل واقعاً شاهد على ما فيها.

وعندما تسافر بين فقراته التي تأخذك بعيداً وهي ترسم لك المشاهد وكأن الكلمات قوة عمل تسمع من خلالها أصوات الآلات وحركة البناء واقعاً تعيشه وترى نتائجه.

لذا فإن قراءة الكتاب ووعيه يتطلب التطواف معه مرات ومرات حتى ننتقل من مرحلة القراءة إلى الفهم الذي يقود إلى وعي يؤسس لعمل مبني على فكر يضع خصوصية المكان وطبيعة المرحلة والهدف الأسمى الذي يسعى إليه وهو «تجويد حياة الناس» التي يرتقى بها إلى إسعادهم وهي مرحلة أعلى.

عندما تناول سموه الإيجابية التي تعددت التعريفات حولها وأدلى الكثير من المعنيين بفكرهم كل من منظور تخصصه، غير أن الإيجابية الفاعلة هي «نظرة الإنسان للأمور»، هي النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم أو يشاهد التحديات، أو يشاهد المستقبل، أو يرى الناس من حوله، أو يشاهد الحياة بشكل عام.

فإذا كانت النظارات سوداء رأيت التحديات صعبة، والمستقبل مظلماً، ورأيت الناس من حولك بعين الشك، ورأيت العالم مليئاً بالمصائب والكوارث والشك.

والحق أن ذلك توصيف دقيق لحالة التشاؤم التي تصيب أصحابها بالعجز سواء عن التفكير في إيجاد بدائل أو العجز عن الحركة والركون إلى اللا فعل، أو البحث عن فرص أو التطلع إلى مستقبل يمكن من خلالها الخروج مما يحيط بنا، إنها حالة الانهزام النفسي التي تحيط بأصحاب النظارات السوداء، تلك الهزيمة الداخلية التي تجعلهم يعزفون عن اتخاذ مواقف للخروج حتى ولو كانت شاخصة أمامهم.

في حين أن أصحاب النفوس القوية يرون دائماً مع كل تحدٍّ فرصة للنجاح، كما أن المغامرة المحسوبة هي التي تصنع النجاح، وهل فاز يوماً بالنجاحات إلا الجسور؟!

والجسارة هنا تعني إدراك وعورة الطريق وصعوبة الرحلة، غير أن هناك قوة داخلية دافعة وقادرة على صناعة النجاحات والإنجازات؛ الجسارة تعني الرؤية الثاقبة لمواطن النجاح حين لا يرى آخرون غير علامات الفشل، وتعني التقدم والدخول في التجربة حين يتردد الكثيرون، وهي تعني القدرة على العمل تحت الضغط وتجاوز العثرات حين ييأس الآخرون، وهي تعني مغالبة أمواج البحار وتلاطم أمواجها ومصارعتها حين يأنس الآخرون ويكتفون بالسباحة في المناطق الدافئة الهادئة.

هذه الحالة من التحدي تشعرك أن الإنسان بداخلنا موجود وأن له قيمة وأثراً، وتمدنا بالثقة بالنفس التي هي البداية الحقيقة لتحقيق الإنجاز، وهو الأمر الذي يحدث السعادة الحقيقية في الحياة حين يشعر الإنسان بحلاوة النجاح وطعم الانتصار والقدرة على الفعل وامتلاك إرادته وقدرته على التصرف والتحرك.

الناس تفشل حين يتملكها الشعور بالخوف من الفشل، ولذلك يؤكد سموه "الإيجابية تعطيك منظوراً مختلفاً للأمور من حولك، دائماً في كل تحدٍّ هناك فرصة، وفي كل شيء حولك ثمة فائدة، وعند كل إنسان موهبة، وكل شخص لديه طاقة، وكل فكرة لديها إمكانية للنجاح في زمانها ومكانها".

والحق أن هذا أمر جدير بالتأمل والتفحص ، وإلا أين مفهوم المعجزة التي قد تتحقق وتحول مصائر الشعوب والبشرية جميعاً.

ان التمسك بالأمل هو الطريق لتحقيق المستحيل، وبخاصة أن كل إنسان خلقه الله بقدرات تميزه عن غيره، والنقطة الفاصلة هي كيف يكتشف الإنسان قدراته ويعرف الطريق إلى توظيفها بالأسلوب الأمثل، كما أن قوة الفكرة غير كفيلة بنجاحها ولكن الأهم هو اختيار المكان والزمان الملائمين للتطبيق.

الإيجابية ليست رفاهية قد نتخلى عنها أو قد نحقق ما نريد بدونها، لكنها لازمة من لوازم حياتنا ومجتمعاتنا صغاراً كنا أم كباراً موظفين أم مسؤولين أفراداً أم أسراً، إنها مهارة فكرية وقيمة سلوكية نحتاج إلى أن نتحلى بها ونغرسها في نفوس من حولنا وندق عليها دقاً منتظماً حتى تصبح سلوكاً مجتمعياً نتعلمها ونعلمها، نعيش بها ونورثها.

آية ذلك تلك المقولة العبقرية لسموه حين اختتم باباً من أبواب الكتاب "الصحراء لم تكن عقبة أو مشكلة أو تحدياً ينبغي التغلب عليه في نظرنا، بل كانت فرصة لخلق قطاع جديد في اقتصاد الدولة"، وقد كانت.

 

Email